للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إدريس: "كان أبي يقول لي: احفظ، وإياك والكتاب، فإذا جئت فاكتب، فإن احتجت يوما، أو شغلك قلبك وجدت كتابك" (١).

وليس معنى ذلك أن الاعتماد على الحفظ وحده قد انقرض، فقد استقر العمل على الاكتفاء بأحد الأمرين للحفظ، حفظ الصدر، أو ضبط الكتاب، كما قال الشافعي في شروط المحدث الذي تقبل روايته: "حافظا إن حدث من حفظه، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه" (٢).

وقال محمد بن أبي الحوَاري: "سمعت مروان -يعني ابن محمد- يقول: ثلاثة ليس لصاحب الحديث عنها غِنَى: الحفظ، والصدق، وصحة الكتب، فإن أخطأ واحدة وكانت فيه ثنتان لم يضره، إن أخطأ الحفظ ورجع إلى الصدق، وصحة كتب- لم يضره، قال مروان: طال الإسناد وسيرجع الناس إلى الكتب" (٣).

والأمر كما قال مروان، فالاعتماد على الحفظ وحده قد قل جدا، ولذا نرى الأئمة ينصون على من ليس له كتب، فالحفظ وحده لا يقوم به إلا قوي الحافظة، وإلا وقع في أوهام، فقد سئل أحمد عن الحكم بن عطية البصري فقال: "لا أعلم إلا خيرًا"، فذكر له حديث يرويه فتعجب، ثم استدرك قائلا: "هؤلاء الشيوخ لم يكونوا يكتبون، إنما كانوا يحفظون، ونسبوا إلى الوهم، أحدهم يسمع الشيء فيتوهم


(١) "المعرفة والتاريخ"٣: ٣٠.
(٢) "الرسالة" ص ٣٧٠.
وانظر كلام الحميدي في شروط قبول التحديث من الكتاب وإن لم يحفظ ما فيه في: "الجرح والتعديل"٢: ٢٧.
(٣) "الكامل"١: ١٦٦، و"الجرح والتعديل"٢: ٣٦، وليس فيه قول مروان الأخير.

<<  <   >  >>