للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك أيضًا قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: إنه ماء عَذْبٌ، لا يوجد دليل عَلَى أَنَّهُ عذب ولا أَنَّهُ مالِح، فلا ندري. المهمُّ أَنَّهُ ماء، بدليل ما يأتي، والماء العَذْبُ يَبقَى فِيهِ السمكُ ما شاء الله، اللهمَّ إِلَّا إذا كانت هناك أسماك خاصَّة بالماء المالحِ، لا ندري.

المهم عَلَى كُلّ حالٍ: كُلّ هَذَا لا داعيَ له، حَتَّى لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ لَيْسَ تحته ماء، وإن هَذَا الزجاج يعطي كأنه ماء بسبب مثلًا أضلاع فِيهِ أو شَيْء آخر، لو قيل بهَذَا لم يكنْ بعيدًا؛ لِأَنَّهُ ما يَتَعَيَّن أن يَكُون تحته ماء، لكِن نحن إن تنازلنا وقُلْنَا: إن قوله: {حَسِبَتْهُ لُجَّةً} أي: زجاجًا شفّافًا، وكانت تظنه بحرًا.

وأما قوله: [لمَّا قيل له: إن ساقيها وقدميها كقَدَمَيِ الحِمار]، يَقُولُونَ: إن الجنّ لمّا أنَّ سُلَيْمَان أَعْجَبَتْه هَذِهِ المَرْأَةُ همّ أنْ يَتَزَوَّجها فحَسَدُوها عَلَى ذلك، فقالوا له: إن قدميها وساقيها قدما دابَّة وساقا دابة، وجعلوها أيضًا حِمارًا لِأَنَّهُ أقبح، وهَذَا لَيْسَ بصحيحٍ، وإنما المقصود من هَذَا الصرح اختبارُ المَرْأَةِ أيضًا؛ لِأَنَّهُ لما قيل: {ادْخُلِي الصَّرْحَ} هِيَ فِي الحقيقة إذا كانت تَحْسَبُه لُجَّةَ، فإذا كانتْ جبانةً لا تدخل أصلًا، وإذا كانت مُغَفَّلَةً دخلتْ وثيابها نازِلة، وإذا كانت حازِمة وشجاعة دخلت ورفعتْ عن ساقيها. ثُمَّ هِيَ أيضًا من ذكائها أَنَّهَا تعلمُ أَنَّهَا ما أُكرمت وَقِيلَ لها: {ادْخُلِي الصَّرْحَ} وهي سَتُدْخَل فِي بحرٍ لجيٍّ يُغْرِقها، فعَلِمَتْ أن هَذَا البحرَ أن غايةَ ما فِيهِ أن يصل إِلَى رُكْبَتِها أو نحو ذلك، وَأَنَّهُ لا يمكن أن يَكُونَ بحرًا لُجِّيًّا عَميقًا؛ لِأَنَّهَا قيل لها عَلَى سبيلِ الإكرامِ: {ادْخُلِي الصَّرْحَ}، فالمهمُّ أن هَذَا أيضًا اختبارٌ ثانٍ لذكائها وحَزْمها وشجاعتها. وَأَمَّا أن رجلها رِجل حمارٍ فهَذَا كذِب بلَا شَكّ، والأَصْل فيها أَنَّهَا امرأةٌ مثل بنات آدمَ لَيْسَ فيها شيءٌ من هَذَا.

قَالَ المُفَسِّر: [{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} منَ الماء {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا}]، وهَذَا

<<  <   >  >>