قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ الله: [{وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} يَعْلَمُونها بالاستدلالِ، وأُعيدَ (هم) لما فُصِلَ بينه وبين الخبر].
قوله:{وَهُمْ} مُبتدَأ و {يُوقِنُونَ} خَبَره، و {بِالْآخِرَةِ} متعلِّق بـ (يُوقِنون)، ولكِن كلمة {هُمْ} أُعيدتْ مرَّة ثانيةً، فهل هَذَا من بابِ التَّوْكيدِ {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} يعني {وَهُمْ} همُ الَّذِينَ يوقنون دونَ غيرِهم، أو أنَّهُ كما قَالَ المُفَسِّر: للفصلِ بينه وبين الخبرِ، والفاصلُ قوله:{بِالْآخِرَةِ}؟
يَحتمل هَذَا وهَذَا، وقد يجوز أن يَكُونَ المُراد الجميع، فبيَّن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أَنَّهُم هم أهلُ الإيقانِ، حَيْثُ كرَّر الضَّمير مرتينِ، وكُرِّرَ أيضًا مرتينِ لِطُول الفصلِ بين الخبرِ وبين المبتدأِ بالفاصلِ.
ولكِن الإيقان يَقُول المُفَسِّر:[يعلمونها بالاستدلالِ]، إِنَّمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: بالاستدلال؛ لِأَنَّ الْتقين أخصُّ منَ العلمِ؛ إذ إن الْيقين معناه: العِلم الَّذِي لا يَتَطرّق إليه الاحتمالُ، فَهُوَ أعلى درجاتِ العلمِ، وهَذَا إِنَّمَا يَكُون بالاستدلالِ، يعني بالأدلَّة المُبيِّنَةِ المقنِعة، فلهَذَا فسَّر المُفَسِّر الْيقينَ بأنه: العِلم بالأَشْيَاء عن طريق الاستدلالِ.
وقوله:{بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} هل المُرادُ بالآخِرَة أنَّهُ يُبعث النَّاس فقطْ؟
نَقُول: لا، فكُلّ ما أخبرَ الله تَعَالَى به ممَّا يَكُون فِي هَذَا اليوم أو أخبر به رسولُه فَإِنَّهُ داخل فِي الآخِرَةِ، بل إن شيخ الإِسْلام رَحَمَهُ اللهُ يَقُول: إِنَّهُ يدخل فِي الإيمان باليوم الآخِر كُلّ ما أخبر به النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مما يَكُون بَعْد الموت (١).
(١) انظر: العقيدة الواسطية ضمن مجموع الفتاوى (٣/ ١٤٥).