أنه استعارة تهكمية، وقال قدس سرّه في الردّ عليه بل هو إشارة إلى أنّ هناك استعارة تمثيلية وليست تهكمية اصطلاحية إذ ليس استعارة أحد الضدين للآخر بل أحد المتشابهين لصاحبه لكن المقصود منها التهكم بهم لتنزيلهم منزلة من يعتقد أنها آلهة مثله وفي بعض النسخ لتنزيلهم منزلة الأضداد حيث شبهت حالهم بحال المعتقدين، أقول النسخة الثانية صريحة في أنها استعارة تهكمية بالمعنى المشهور وتحقيقه أن الند كما سمعته آنفا بحسب أصل اللغة ليس النظير مطلقا بل نظيرك الذي يخالفك وينافرك ويتباعد عنك معنى ثم توسع فيه فاستعمل لمطلق المثل كما في قولهم ليس لله ضد ولا ند فإنه لنفي ما يسد مسده وما ينافيه وهم إنما يعتقدون أنّ آلهتهم تناسبه وتقرّب إليه كما قالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ}[سورة الزمر، الآية: ٣] إلا أنهم لتمام حمقهم نسبوا لبعضها البنوّة المقتضية لتمام المشاكلة فإن استعير الضد من معناه الأوّل وهو المعادي المبعد للآلهة المقرّبة عندهم كانت من استعارة أحد الضدين للآخر، لأن التضادّ أعمّ من الوضعي، كالتبشير للإنذار في بشرهم بعذاب أليم ومما هو بحسب اللوازم المرادة بلا وضعلها كالأسد للجبان وحاتم للبخيل، وان نظر إلى الثاني وأنه بمعنى المثل مطلقا لم يكن
بينهما تضادّ فيكون من استعارة أحد المتشابهين للآخر بدون تضادّ منزل منزلة التناسب فيكون التهكم فيه غير اصطلاحي لأنها بحسب أحوالهم وأفعالهم مماثلة له تعالى في العبادة لا بحسب الذات وسائر الوجوه إلا أنهم لما جعلوها مثلاً وخصوها بالعبادة دونه وهذه خطة شنعاء وصفة حمقاء في ذكرها ما يستلزم بحميقهم والتهكم بهم فيكون استعارة أي استعارة قصد بها علاقة المشابهة الحقيقية التهكم وهذا معنى غير ما اصطلحوا عليه فالقول به غير متجه والحق ما قاله الشارح المحقق، ومن خرافات بعض العصريين في حواش ومحاكمات له بزعمه بين الفاضلين أنه قال في الردّ عليه قدّس سرّه بعدما حكى كلامه ولا يخفى بعده مع أن الظاهر من قوله كما تهكم بلفظ الندّانة استعارة تهكمية واستعارة أحد الضدين للآخر توجد ههنا لأن التشابه ليس بمطلق بل مشتمل على معنى الضدّية على ما تدلّ عليه المخالفة والمنافرة فاستعمال المثل المقابل القوي المخالف فيما يكون بمعزل عنه من المثل في بعض ما توهموه يكون استعمالاً للقوي في الضعيف وهو عين الاستعارة التهكمية، وقوله أشبهت لبيان وجه الاستعارة في لفظ الأنداد، وما قيل إنه في معناه الحقيقي إذ مدار التشنيع عليه ليس بشيء لأن أوصاف المستعار منه معتبرة في لفظ الاستعارة وبه يتمّ التشنيع انتهى. والبعرة تدلّ على البعير، وآثار الأقدام تدلّ على المسير، وجعل جمع الأنداد للتشنيع لأن من لا ند له كيف يجعلون له أنداداً، ومن الناس من لم يرتض هذا لأنهم كانت لهم أصنام كثيرة فجمعه نظراً للواقع وهو أولى وفيه نظر والتهكم من لفظ الند حيث اختير على المثل والتشنيع من إيراده جمعاً فيبطل ما قيل إنه تسامح والأولى أن يقال تهكم بهم بلفظ الند وشنع عليهم بأن جعلوا أنداداً من غير حاجة إلى تقدير أو تأويل.
قوله:(قال موحد الجاهلية زيد الخ) إشارة آلى ما ذكر في السير من أنه في الفترة وزمن الجاهلية اجتمع زيد المذكور وورقة بن نوفل وعبد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وتذاكروا عبادة الأصنام وأمور الجاهلية فهداهم الله للحق وقالوا إنّ هذه أمور باطلة عقلاَ فتركوا عبادة الأصنام وخرج كل منهم إلى جانب يطلب الدين الحق فلقي زيد أحبار أهل الكتاب بالشأم فسألهم عن العقائد والدين الحق فدلوه على ملة إبراهيم فدان بها وكان يطعن في أمور الجاهلية، ولقي النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه وهو زيد بن عمرو بن نفيل بن رباح بن عبد الله ابن قرط بن رزاح بن ربيعة أخي قصيّ أمه وأمّ زيد الجيداء بنت خالد الفهمية وهي امرأة جده نفيل ولدت له الخطاب فهو قرشيّ أخو عمر لأمّه رضي الله عنه ونفيل بنون وفاء ولام مصغر علم جذه وله إشعار في النهي عن أمور الجاهلية منها ما أورد المصنف وهو برمته كما ذكره ابن