لعل للإرادة فيقصد بحسب الواقع والنظر إلى حال المتكلم تشبيه الإرادة بالترجي ويقصد ادعاء بالنسبة إلى حال المخاطب نفسه بالتمني لا باعتبار النصب، لأنهم في صورة المتمني منهم. أقول هذا كله تعسف نشأ من التزإم ما لا يلزم وذلك لأن نجم الأئمة الرضي قال كغيره من سائر النحاة إنّ أهل العربية إنما اشترطوا في نصب ما بعد فاء السببية تقدّم أحد هذه الأشياء لأنها غير حاصلة المصادر فتكون كالشرط الذي ليس بمحقق الوجود ويكون ما بعد الفاء كجزائها على ما حققناه في حواشيه، ومنه علمت أنّ وجهه عندهم إنما هو عدم تحقق الوقوع في حال الحكم لا اسنحالته لعدم صحته في الأمر المطلوب الذي هو أعظم أقسامه كما هنا وهذا متحقق في الترجي والتمني إلا أنّ التمني أقوى منه لرسوخه في العدم وأشهر فلذا نصب جواب لعل إلا أنّ منهم من جعلها ملحقة بليت كالزمخشريّ وابن هشام لأنّ التمني والترجي من واد واحد ومنهم من جعلها من ذلك الباب لأنه لا ينحصر فيما
ذكر كابن مالك في التسهيل تبعاً للفراء فلا حاجة لما ادّعوه سؤالاً وجوابا على الطريقين لأنّ مبناه على أنّ لعل إنما أعطيت حكم ليت لا شرابها معناها وليس بلازم لأنّ الإلحاق والتشبيه! كفيه عدم التحقق حالاً ويعينه أنهم حملوه على الشرط وهو متحقق فيهما مطلقاً ثم إن استشهادهم بهذه الآية بناء على الظاهر، وفيها وجوه أخر كما سيأتي، ولذا قال ابن هشام في الباب الخامس من المغني. قيل في قراءة حفص لعلي أبلغ الأسباب الخ إن اطلع بالنصب عطف على معنى لعلي أبلغ لأنه بمعنى أن أبلغ فإنّ خبر لعل يقترون بأن كثيراً نحو فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجتة من بعض ويحتمل أنه عطف على الأسباب على حد.
للبس! عباءة وتقرّ عيني
وبهذين الاحتمالين علم معنى قول الكوفيين: إن في هذه الآية حجة على النصب في جواب الترجي حملاً له على التمني. قوله:(إلحاقاً لها بالأشياء الستة) وهي الأمر والنهي والاستفهام والعرض والتمني والنفي، وقد أجاز بعض النحاة أن يلحق بها كل ما تضمن نفياً أو قلة كما قاله الرضي، وقد قيل إن المصنف رحمه الله جعله ملحقة بالأشياء الستة وعدل عما قالوه من إلحاقها بليت لما قيل عليه كما عرفته ولعدم مناسبته للمقام لما فيه من تنزيل المرجوّ لبعده عن الحصول منزلة المتمني وبعد المخاطبين الذين منهم المؤمنون عن التقوى بعيد، وبناؤه على تخصيص الخفاب بالكفار يضعفه لضعف مبناه وفيه بحث يعرفه من يتذكر، وقوله لاشتراكها في أنها غير موجبة بكسر الجيم وفتحها أي مضمون ما بعدها لم يقع وتحققه في المستقبل غير معلوم فموجبه من الإيجاب بمعنى الإثبات، ويقابله السلب وكل ما يدلّ عليه في الجملة أو جعله واجبا مجزوماً به في أحد الأزمنة الثلاثة ويقابله ما لا يتعين ولا يتحقق وهو غير الموجب وعلى كل حال يدخل فيه الترجي، فسقط ما قيل من أن غير الموجب عند علماء العربية هو المنفي والنهي والاستفهام لا غير فكيف يشاركه الستة من غير احتياج إلى ما ادّعاه من الجواب، وقيل المراد لاشتراك أكثرها إن أريد بالإيجاب ما ليس بنفي لأن الأمر ليس فيه ناني حتى يشترك معها في أنها غير موجبة أو لاشتراك الكل إن كان المراد إيقاع النسبة والأمر ليس فيه إيقاع لأنّ الإيقاع في الخبر لا الإنشاء فالأمر غير موجب لهذا المعنى وكذا التمني فإن قلت: إن كانت التقوى بالمعنى الثالث لا يناسب ترتب عدم الشرك عليه لتقدمه وإن كانت بالمعنى الأوّل فهي عينه. قلت الاتقاء عن الشرك يترتب عليه عدم الوقوع فيه بالفعل أو هي بمعنى الاتقاء عن العذاب مطلقاً كما في الكشاف فتأمّل. قوله:(والمعنى الخ) أي لا تجعلوا له شيئاً من جنس الأنداد كما سيأتي فلا يتوهم أن المناسب عدم ند واحد لا أنداد لأنه يجتمع مع جعل النذ والندين ثم إنه قيل إنّ المصنف رحمه الله جعل لا تجعلوا نفياً منصوباً وذكر في بيان المعنى ما يقتضي كونه مجزوما وقصد به بيان حاصل المعنى مع إظهار السببية التي هي شرط لتقدير الناصب ولو جعله مجزوما في جواب الأمر جاز أيضاً إذ لا مانع منه، فتدبر. قوله:(أو بالذي جعل الخ) عطف على قوله: باعبدوا أو على
قوله بلعل أي متعلق بالذي إن جعلته مبتدأ وجملة فلا تجعلوا خبره كما صرّح به بقوله على أنه الخ، فالاستئناف بالمعنى اللغوي أي جعله مبتدأ أو بالمعنى الاصطلاحي لأنّ الاستئناف بسببه وليس هذا معنى ما في الكشاف