للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي العبادة وعدم الشرك لا تتأتى كما سمعته آنفاً فيما نقلناه لك آنفاً من حواشي العلامة الرازي، ولو سلم ذلك صح العطف بالفاء فيهما من غير فرق فكيف يرتضي هذا ويرد ما ذكره القاضي وقد غفل عن هذا من نقله في شرح كلام المصنف:

ظلم القضاة بعصرناعمّ الورى عجبالقاض يظلم الخصماء

قوله: (أو نفي منصوب بإضمار أن الخ) قيل هذا على تفسير العبادة بالتوحيد وتفسير فلا تجعلوا بلا تعتمدوا على غير الله وتوكلوا عليه كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وهذا وان اندفع به ما سيأتي لا يوافق ما فسر به المصنف رحمه الله فانه أبقى العبادة على ظاهرها كما مز، وهو على هذا نفي منصوب بإضمار أن في جواب الأمر كقولك زرني فأكرمك وقد قيل عليه أنه ليس بشيء لأن شرطه كون الأوّل سبباً للثاني والعبادة لا تكون سبباً للتوحيد الذي هو مبناها وأصلها ولذا لم يتعرّض! له الزمخشري ولم يرتض به شراحه، والمنصوب في الجواب منصوب بأن مقدرة فهو مصدر تأويلا معطوف على مصدر متصيد مما قبله هو سبب له فتقديره فيما ذكر ليكن منك زيارة فإكرام مني بسببها وقس عليه الآية في التأويل وأجيب عما أورده شرّاح الكشاف بأنّ المراد بكونه جواب الأمر مشابهته له وحمل الشيء على ما يشبهه واعطاؤه حكمه كثير، وقد قال الرضي: إنّ النصب في قوله كن فيكون في قراءة لتشبيهه بجواب الأمو لوقوعه بعده وان لم يكن جواباً معنى، وقيل العبادة سبب لنفي الإشراك الذي تنافيه ولا تجتمع معه وقيل صحة العبادة سبب للعلم بالتوحيد فلتكن السببية بهذا الاعتبار ونحوه ما قيل من أنه بكتفي فيه بببه الأوّل للإخبار بما تضمنه الثاني كما اكتفى بمثله في الشرط، وما بمعناه كما سيأتي في قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: ٥٣] أقول هذا كله تكلف تأباه قواعد العربية فلا ينبغي تنزيل التنزيل المعجز عليه فالحق أن يقال إنّ الآية تضمنت عبادة رب موصوف بما يجعله كالمشاهد من خلقه لهم ولا وصولهم عروق الثرى وابداع جميع الكائنات العظيمة والتفضل نجإفاضة النعم الجسيمة فدلت عليه دلالة عرّفتهم به كما أشار إليه

المصنف رحمه الله ثمت بقوله والآية تدلّ الخ فجعلها عنده اعبدوا الله الذي عرفتموه معرفة لا مرية فيها ولا شك في أنّ العبادة والمعرفة سبب لعدم الإشراك فإن من عرف الله لا يسوى به سواه ولذا ذيلها بقوله: {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة، الآية: ٢٢] فمن عنده علم الكتاب عرف الفرق بين هذه الآية، وقوله اعبدوا الله ولا تشركوا به والذي سوّل لهم ما مر النظر للعبادة فقط وقطع النظر عما معها، واعلم أنهم اختلفوا في هذه الفاء فذهب الكوفيون إلى أنها جزائية في جواب شرط تضمنه ما قبلها وذهب البصريون إلى أنها عاطفة كما مرّ، واختار الرضي أنها متمحضة للسببية وإنما صرف ما بعدها عن الرفع إلى النصب للتنصيص على ذلك كما فصله. قوله: (أو بلعل على أن نصب تجعلوا الخ) أي متعلق بلعل واقعاً جواباً له وتتمة قال في الكشاف: أو بلعل على أن ينتصب تجعلوا انتصاب فأطلع في قوله عز وجل: {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [سورة غافز، الآية: ٣٧] في رواية حفص عن عاصم أي خلقكم لكي تتقوا وتخافوا عقابه فلا تشبهوه بخلقه ومعناه كما قال قذس سره إنه على تشبيه لعل بليت ويرد عليه أنه إنما يجوز ذلك إذا كان في الترجي شائبة من التمني لبعد المرجوّ عن الوقوع وقد مز أن لعل هنا مستعارة للإرادة التي ترجح فيها وجود المراد بإعداد الأسباب وازاحة الأعذار فمن أين المشابهة وأجيب بأن النصب هنا للنظر إلى أنهم في صورة المرجوّ منهم المعنى خلقكم في صورة من يرجى منه الإتقاء أي الخوف من العقاب المتسبب عنه أن لا تشركوا، فقوله لكي تتقوا بيان الحاصل المعنى، وأخذ زبدة ما سبق من الاستعارة لا حكم بأنها بمعنى كي وفي النصب تنبيه على تقصيرهم كان المراد الراجح مستبعد منهم كالمتمني، واعترض عليه بأنّ الجواب لا يدفع الاعتراض فإنّ لعل لا ينصب الفعل في جوابه لا بمعنى الأصل أعني الترجي ولا بالمعنى المراد أي الإرادة فلا فائدة في النظر إلى صورة المرجوّ منهم اللهمّ إلا أن يقال شبه أوّلاً الرجاء بالتمني صورة وادّعاء على سبيل الاستعارة بالكناية بقرينة لازمة من النصب ثم استعير

<<  <  ج: ص:  >  >>