للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفعل برب وقد الموضوعتين لضده من القلة وهو معتاد في لغة العرب وقد حام أبو الطيب حوله فقال:

ولجدت حتى كدت تبخل حائلاً للمنتهى ومن السروربكاء

فكأنّ هؤلاء إذا نقلوا إلى غاية العذاب ونهاية الشذة قد وصلوا إلى الحذ الذي يكاد أن

يخرج عن اسم العذاب المطلق حتى يسوغ معاملته في التعبير معاملة المغاير له وهو وجه حسن لا يكاد يفهم من كلام الزجاج إلا بعد هذا البسط، وفي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ما يؤيده وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة لهذا في تفسير قوله إلا ما شاء ربك. قوله: (وقيل إلا ما شاء الله قبل الدخول) فيه تأمّل إذ لو أراد جعل قوله خالدين فيها أبداً في جميع الأوقات لا يخفى ما فيه، وان أراد تقدير أبداً بعد الخلود ففيه إنّ الخلود بعد الدخول فلا يتناول ما بعده ما قبل الدخول، وجعل التأبيد للدخول الضمني المفهوم من الخلود تعسف وكذا تعليقه بقوله: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ} [سورة الأنعام، الآية: ١٢٨] تعسف ظاهر فلذلك قال قيل. قوله: (نكل بعضهم إلى بعض الخ) قال النحرير: هو على الأخير من الموالاة والمقارنة يوم القيامة ولا قبح فيه فلذا لم يؤوّله الزمخشري بناء على مذهبه وعلى الأوّل بمعنى تجعل الظلمة بعضهم، واليا على بعض متصرفاً فيه في الدنيا وهو غير قبيح عندنا من حيث صدوره عنه تعالى وعندهم قبيح، فلذا أوّلوه بتخليتهم وشأنهم حتى تصير الظلمة ولاة وعلى هذا التوجيه ما قال الإمام: إنّ هذا يدلّ على أنّ الرعية إذا كانوا ظالمين فالئه تعالى يسلط عليهم ظالماً مثلهم، وفي الحديث: " كما تكونوا يولي عليكم)) ١ (وهذا رذ على الشارح العلامة إذ ردّ كلام الإمام، وقوله: (أو نجعل

الخ (فهو خاص مؤوّل بالإغواء، وقوله كما كانوا في الدنيا إشارة إلى معنى التشبيه في هذا الوجه، وأما على الأوّل فيجوز أن يكون تشبيها وأن يكون من قبيل ضربته كذلك كما مرّ. قوله:) الرسل من الإنس خاصة الما كان المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء قدر الفراء هنا مضافا أي من أحدكم أو أنه من إضافة ما للبعض إلى للكل كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سورة الرحمن، الآية: ٢٢] وإنما يخرجان من الملح كما سيأتي تحقيقه أو أن الرسل أعمّ من المرسل من الله أو من رسل الله لأنّ الجن لم يرسل إليهم، وفي بعض التفاسير إنه قام الإجماع عليه وزعم قوم أنّ الله تعالى أرسل للجن رسولاً منهم يسمى يوسف، وهو لا يضرّ الإجماع لأنه خلاف لا اختلاف، والفرق بينهما معلوم، وقوله لما جمعوا الخ ظاهره أنه لا بدّ في مثله من الجمع في صيغة واحدة، وقال الزجاج: هو جار في كل ما اتفق في أصل كما اتفق الجن والإنس في التمييز والتكليف، وقوله: رسل الرسل يعني الذين بعثهم رسلنا ليبلغوهم عنهم واليهم متعلق برسل. قوله: (ذم لهم على سوء الخ) يشير إلى ما في الكشاف من أن الشهادة الأولى حكاية لقولهم كيف يقولون وكيف يعترفون، والثانية ذمّ لهم وتخطئة فلا تكرار فيها والمخدج بالدال المهملة بمعنى الناقص، وتحذيرا مفعول له. قوله: (ذلك الخ) جوّز فيه أن يكون مرفوعا خبر مبتدأ مقدر أي الأمر ذلك أو مبتدأ خبره مقدر أي كما ذكر أو خبره إن لم يكن ربك الخ أو منصوبا بفعل مقدر كخذ ونحوه والمشار إليه إتيان الرسل، أو ما قص من أمرهم أو السؤال المفهوم من قوله ألم يأتكم كما ذكره المعرب واللام مقدرة قبل أن وإليه يشير قوله تعليل، وقوله: {مُهْلِكَ الْقُرَى} إشارة إلى التجوّز في النسبة أو تقدير المضاف ولا يأباه قوله وأهلها غافلون لأنّ أصله وهم غافلون فلما حذف المضاف أقيم الظاهر مقام ضميره، وقوله: أو لأنّ الشأن إشارة إلى أنّ اسمها حينئذ ضمير شان مقدر، وقوله ملتبسين الخ إشارة

إلى أنّ الباء للملايسة وأنه حال من المضاف المعلوم ولو قدر ملتبسة على أنه حال من القرى صح. قوله: (أو ظالماً) إشارة إلى وجه آخر على أنه حال من ربك أي ملتبساً بظلم أي ظالماً، والظلم عند عدم إرسال الرسل بناء على أنه من شأنه ذلك أو بناء على القبح، والحسن العقليين ونحن نثبته ولكن لا نجعله مناط الحكم كما قالت المعتزلة، قيل ولا يخفى أنّ قوله: وهم غافلون على هذا التقدير كالمستدرك لأنّ الظلم إنما يكون على تقدير غفلتهم، وأورد عليه أنّ الحصر ممنوع إذ قد يتصوّر الظلم مع عدم الغفلة حال التيقظ ومقارنة الانقياد، وان كان المراد به هاهنا هو الإهلاك حال الغفلة فقوله وهم غافلون تعيين للمراد فلا يتوهم الاستدراك وفيه بحث، وقوله: (بدل من ذلك) أي من لفظ ذلك عطف على قوله تعليل لأنه لا يقدر اللام فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>