فيها، فمن قال: لا يحتاج إلى هذا إلا على تقدير كون ليمكروا مفعولاً ثانيا فقدسها وان كان كلاما مستأنفا يرد عليه إنّ كونه مضافا إليه لا يتوقف على هذا التفسير، وغاية ما يمكن في توجيه كلام المصنف إنه عطف على قوله مفعولاه أكابر مجرميها ردّاً لقول الإمام أنه لا تجوز الإضافة لأنّ المعنى لا يتم إذ يحتاج إلى مفعول ثان للجعل، وعلى هذا التفسير يتم المعنى فتجوز الإضافة، وفي قوله أو في كل قرية إشارة إلى رد آخر وهو مبني على تمام الكلام عند قوله مجرميها، وكون اللام للمصلحة وظاهر كلام الزمخشري أن جعلنا بمعنى صيرنا والظرف لغو وأكابر أوّل المفعولين مضاف لمجرميها وليمكروا الثاني كما ذكره النحرير، قيل عليه لا تخصيص للإضافة بهذا المعنى، بل يصح مع جعل الجعل بمعنى التصيير والمفعول الثاني لا يتعين أن يكون مجرميها كما مرّ، ويحتمل أن يكون المفعول الثاني ليمكروا فيها وهو مقتضى سوق الكشاف كما ذكره النحرير وفيه أنّ اللام سواء كانت للغرض أو للعاقبة متعلقة بالجعل لا محالة (قلت) يعني إنه على الإضافة لا يصح جعل ليمكروا مفعولاً ثانياً لأنّ المعنى يأباه، ولا في كل قرية لأنّ جعل مجرمي القرية في القرية
لغو من الكلام لا يفيد، وجعل أصل الكلام أكابر المجرمين فأضيف إلى ضمير القرية لزيادة الربط تكلف مستغنى عنه، فتعين أن يكون متعديا لواحد بمعنى مكناهم لأن معنى جعل زيد في البيت إسكانه وتمكينه فيه وكأنه معنى مجازي، وقى عليه جعل جعل بمعنى خلق ومنه يعلم ما وقع في بعض الحواشي، وقوله إذا أضيف يعني لمعرفة وهو الواقع وترك التصريح به لأنه معلوم، وقال النحرير: قيل في كل قرية أكابر مفعولاً جعلنا ومجرميها بدل أو مضاف إليه بدليل قراءة أكبر مجرميها، وقيل أكابر مجرميها مفعولاه بتقديم الثاني وفي كل قرية لغو، والذي يقتضيه النظر الصائب، والتأمّل الصادق إنّ في كك قرية لغو وأكابر أوّل وليمكروا ثان انتهى. قوله:(زاحمنا بني عبد مناف) يعني نافسناهم في الشرف، وقوله:(كفرسي رهان) هو مثل يضرب للتساوي ولما كان فرسا الرهان لا يلزمهما التساوي إذ قد يسبق أحدهما فسره في النهاية بقوله سابقان إلى غاية، وقال غيره المراد التشبيه باعتبار ابتداء الجري والخروج للرهان لا باعتبار النهاية. قوله:(استئناف للرذ عليهم الخ) أي جواب سؤال نشا من قولهم لن نؤمن الخ أي فما كان جواب الباري تعالى لهم قوله: وإنما هي بفضائل الخ في المواقف لا يشترط في الإرسال استعداد ذاني بل الله يختصبرحمته من يشاء، والله أعلم حيث يجعل رسالاته فقيل عليه دلالة الآية على الاستعداد أظهر لما روي عن أبي جهل ولما ذكره المصنف رحمه الله، وهذا لا يستلزم الإيجاب الذي يقوله الفلاسفة لأنه إن شاء أعطى النبوّة وان شاء أمسك وأن استعد المحل.
(قلت (مراد صاحب المواقف أيضا بالاستعداد الذاتي الموجب لأنّ عادته تعالى أن يبعث
من كل قوم أشرفهم وأطهرهم جبلة فلا يرد عليه ما ذكر، ثم إنّ قوله أعلم بالمكان يريد أنّ حيث خرجت عن الظرفية بناء على القول بتصرفها، ولا عبرة بمن أنكره فهي مفعول به وناصبه فعل مقدر أي يعلم وترك التنبيه عليه اعتمادا على ما سبق فلا يرد عليه أنه يقتضي نصب أفعل التفضيل للمفعول به كما توهم وفي كتاب الشعر لأبي عليّ رحمه الله تعالى الجملة بعد حيث إذا وقعت مفعولاً به صفة، والمعنى حيث يجعله أي يجعل فيه قيل، وعبارة المصنف رحمه الله تدلّ عليه، ويحتمل الإضمافة أيضا، وقال الرضي: والأولى أنه مضاف ولا مانع من إضافته وهو اسم إلى الجملة وفيه بحث، وقال ابن الصائغ: ولا يصح في حيث هنا الجرّ بالإضافة لأن أفعل بعض ما يضاف له ولا نصبه بأفعل نصب الظرف لأنّ علمه تعالى غير مقيد بالظرف، وردّ بأنه يجعل تقيده به مجازيا باعتبار ما تعلق به، وهو أولى من إخراجه عن الظرفية فإنه ممتنع أو
نادر، فإن قلت ذكر المفسرون والمتكلمون أنّ الآية ردّ على الفلاسفة والمتكلمين وهؤلاء إنما ذكروا النبوّة والمذكور في الآية الرسالة، فلا دليل فيها، قلت: إثبات الأخص أعني الرسالة يلزم منه إثبات الأعمّ أعني النبوّة الذي نازع فيه الفريقان، وهذا مع ظهوره لم يتعرّضوا له لأنهم إنما ينكرون الرسالة لأنها هي التي تضرهم أو لأنه يلزم من إنكار الأعمّ، وانتفائه انتفاء الأخص. قوله: (دّل وحقارة الخ) كونه بعد الكبر مستفاد من قوله سيصيب ومن وصفهم بأكابر قبله، وهو أشنع فلذا قيده به، وقوله:(يوم القيامة) تفسير