لا امتناع في تصدير الجملة الحالية بأنّ والنحرير أشار إلى تفصيل فيه وهو من الفوائد البديعة. قوله:(والضمير لما الخ) أئا بتقدير مضاف أي أكله أو جعله عين الفسق مبالغة، ولم يجعل الضمير للمصدر المأخوذ من مضمون لم يذكر اسم الله عليه أي إن ترك ذكر اسم الله عليه فسق لأن كون ذلك فسقا لا سيما على وجه التحقيق، والتأكيد خلاف الظاهر، ولذا لم يذهبوا إليه ولأنّ ما لم يذكر اسم الله عليه شامل للميتة مع القطع بأنّ ترك التسمية عليها ليس بفسق كذا قيل، وقيل عليه إنّ الضمير يرجع إلى ما باعتبار أحد متناوليه والمعنى لا تأكلوا الميتة وما أهل لغير الله به، فإنّ عدم التسمية على الثاني فسق دمانّ الكفار يجادلونكم في أكل الأوّل، وقوله:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ} من جملة الدليل دال على أحد شطري المدعي وهو مع تكلفه ليس مطابقا لكلام المعترض فإنه على تقديره رجوعه إلى المصدر لا إلى ما وهذا من جملة أوهامه، والمراد بما قتله الله الميتة. قوله:(وإنما حسن حذف الفاء الخ) تبع فيه أبا البقاء رحمه الله، وقيل عليه إنّ هذا لم يوجد في كتب العربية بل اتفقوا على أنّ ترك الفاء في الجملة الاسمية لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، وكأنه قاسه على جواز عدم جزم المضارع في الجزاء إذا كان الشرط ماضيا فالتوجيه في تركها ما ذكر الرضي وأبو حيان، والمعرب إنه على تقدير القسم وحذف لام التوطئة فلذلك أجيب القسم والأصل والتقدير ولئن أطعتموهم والله أنكم لمشركون وحذف جواب الشرط لسد جواب القسم مسده وأتا ما ادّعاه من أنّ حذف الفاء مخصوص بالضرورة فليس كما قال فإنّ المبرد أجازه في الاختبار كما ذكره المرادي في شرح التسهيل، وقول ابن مالك: توضيحه ما زعمه النحويون من أنه مخصوص بالضرورة ليس بصحيح بل يكثر في الشعر، يقل في غيره كما في الحديث:" إنك إن تاع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة "(١ (فمن خص الحذف بالشعر فقد حاد عن التحقيق، وضيق حيث لا تضييق انتهى، فيه نظر لأن الكلام في حذفها وحدها إمّا تبعية للجملة أو بعض أجزائها فليس محل الخلاف كما في الحديث فرث أمر يغتفر تبعاً ولا يغتفر استقلالاً. قوله: (مثل به من هداه الله الخ) قيل هما
تمثيلان لا استعارتان كما مرّ في قوله:{أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء}[سورة البقرة، الآية: ٩ ا] وردّ بأنّ الظاهر أنّ من كان ميتا ومن مثله في الظلمات من قبيل الاستعارة التمثيلية إذ لا ذكر للمشبه صريحاً يحاولا دلالة بحيث ينافي الاستعارة والاستعارة الأولى بجملتها مشبه والثانية مشبه به، وهذا كما تقرل: في الاستعارة الإفرادية أيكون الأسد كالثعلب أي الشجاع كالجبان.
(قلت) وهذا من بديع المعاني الذي ينبغي أن يتنبه له ويحفظ فإنهم ذكروا أن التشبيه
ينافي الاستعارة بل شرطوا فيها أن لا تشمّ رائحته، والمراد إن التشبيه الواقع في تلك الاستعارة أو في شيء منها مناف لها وأمّا تشبيه المعنى المستعار بعد تقرّر التجوّز فيه بمعنى آخر حقيقي أو مجازي كما هنا فلا ينافيها، كما صرّح به المحققون من شراح الكشاف، وقد أومأ إليه الشريف أيضا في سورة البقرة في قوله:
كان أذني قلبه خطلاً وان
فتدبره بأذن واعية، وقوله ميتاً على الأصل يعني بالتشديد، وقوله:(صفته (بيان لأنّ
المثل هنا بمعنى الصفة كما في قوله:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ} اسورة الأنعام، الآية: ٢٢ ا] الآية لكنه يختص بالصفة الغريبة كما مز تحقيقه في أوّل سورة البقرة. قوله: (وهو مبتدأ خبره الخ) في الكشاف كمن صفته هذه وهي قوله: إ في الظلمات ليس بخارج (منها بمعنى هو في الظلمات ليس بخارج منها كقوله مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار أي صفتها هذه، وهي قوله فيها أنهار يعني أن جملة هو في الظلمات ليس بخارج منها وقعت خبر المبتدأ الذي هو مثله على سبيل الحكاية، بمعنى إذا وصف يقال له ذلك، وجملة مثله مع خبره صلة الموصول ففي الظلمات خبر هو مقدراً، ولا يصح أن يكون خبر مثله لأن في الظلمات ليس ظرفاً للمثل وضمير هو وضمير ليس راجعان لمن إذا عرفت هذا فقد قيل إن في كلام المصنف رحمه الله تعالى اختلالاً إلا أن يتكلف ويفسر قوله، وهو مبتدأ بمعنى لفظ هو مبتدأ حتى قيل إن في النسخة تحريفاً من الناسخ ولعل لفظه خبره هو في الظلمات (قلت أليس الأمر كما زعم فإن ما ذكره المصنف رحمه الله صزج به المعربون كالسمين وأبي البقاء فإنه قال في الظلمات خبر مثله ولم يقدر هو مبتدأ وهو لا يلزمه أن يكون في