للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه رواية شاذة، والصواب رواية الجماعة عن سفيان؛ لأنهم أكثر

عدداً وحفظاً من مخلد بن يزيد، قال الترمذيُّ عقب (٣٤٠٣) (م): «وقد اضطرب أصحاب أبي إسحاق في هذا الحديث»، وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب": ٧١٧ (٢٥٦٧): «مختلف فيه، مضطرب الإسناد، لا يثبت».

قلت: ووجه الاضطراب فيه أنَّ زهيراً وإسرائيل ومن تابعهما قد رووا الحديث عن أبي إسحاق موصولاً، في حين رواه الثوريُّ وهو أتقن أصحاب

أبي إسحاق (١) مرسلاً.

وتعقب الحافظ ابن حجر ابن عبد البر فقال في " الإصابة " ٥/ ٣٦٩ (٨٨٣١): «وزعم ابن عبد البر بأنَّه حديث مضطرب، وليس كما قال، بل الرواية التي فيها (عن أبيه) أرجح، وهي الموصولة، رواته ثقات، فلا يضرّه مخالفة (٢) مَنْ أرسله، وشرط الاضطراب أنْ تتساوى الوجوه في الاختلاف، وأما إذا تفاوتت فالحكم للراجح بلا خلاف».

قلت: حتى لو فرضنا أنَّ الحديث خالٍ من الاضطراب، فإنَّ فيه عنعنة أبي إسحاق السبيعي وهو مدلس كما مر تبيان هذا الأمر. وبعد مراجعة جميع طرق الحديث لم أقف على تصريحه بالسماع من شيخه.

وقد روي الحديث من طرق أخرى عن أبي إسحاق.

إذ أخرجه: الترمذيُّ (٣٤٠٣) من طريق أبي داود الطيالسيِّ، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن فروة بن نوفل: أنَّه أتى النَّبيَّ

… فذكره (٣).


(١) قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ٤/ ٢١١ (٦٠٩١): «سُئل أبو زرعة من
أحفظ أصحاب أبي إسحاق؟ فقال: أحفظ الناس عن أبي إسحاق: سفيان»، وقال أبو
حاتم: «سفيان فقيه، حافظ، زاهد، إمام أهل العراق، وأتقن أصحاب أبي
إسحاق».
(٢) في المطبوع: «مخافة».
(٣) والذي نعتقده ونميل إليه أنَّ هذا الإسناد هو الإسناد الراجح؛ إذ إنَّ شعبة لما رواه عن أبي إسحاق ذكر فيه الواسطة بين أبي إسحاق وفروة، وهو الرجل المبهم، وهذه من قرائن الترجيح في علم العلل، فشعبة لا يحمل عن شيوخه ما دلسوا فيه، وقد صرح هو نفسه بهذا، خاصة في أحاديث أبي إسحاق، فآل الأمرُ إلى أنَّ العلة الرئيسة في الحديث تدليس أبي إسحاق، وأنَّ المدلس رجلٌ مجهول.

<<  <  ج: ص:  >  >>