للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد توبع معمر، تابعه إسحاق بن راشد (١) عند أحمد في " فضائل الصحابة " (٣٦) فرواه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلاً، وقد ذهب الخطيب إلى ترجيح رواية معمر فقال فيما نقله عنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " ٣٢/ ٤٠: «وحديث معمر هذا أصحّ من حديث ابن عيينة، وقد تابع معمراً على روايته هذه (٢) إسحاق بن راشد، وهو المحفوظ عن الزهري، وإنْ كان مرسلاً». وقد نفى سفيانُ سماعَه الحديث من طريق سعيد، فقد قال الحميدي عقب (٢٥٠)، ومن طريقه الخلاّل كما في "المنتخب" عقب (١٠٧): «فقيل لسفيان: فإنَّ معمراً يقول: عن سعيد، فقال: ما سمعنا من الزهريِّ إلا عن عروة، عن عائشة».

قلت: وهذا لا يفهم منه أنَّ الزهريَّ لم يحدِّث به عن سعيد، وإنَّما نفى سفيان أنْ يكون سمع الزهري يحدِّث عن سعيد، وسفيان وإنْ كان مُقدَّماً في الزهري إلا أنَّه لم يحوِ جميع ما حدَّث به الزهريُّ، والذي قدمناه يرجّح رواية معمر، ويقوِّض رواية سفيان، والله أعلم.

ولقائل أنْ يقولَ: أليسَ من الممكن أنْ يكون سفيان سمعه بعلوٍ ونزول؟ يعني: سمع تارةً بوساطة، من الزهريِّ، وسمعه تارةً أخرى منَ الزهري مباشرةً من دون وساطة بينهما. ولا سيما أنَّه قال فيما أخرجه: أحمد في " فضائل الصحابة " (٢٩): حفظتُ منَ الزهري، ثم ذكر الحديث.

فنقول: نعم هذا ممكن في حال أنَّ القرائن جاءت مُبيِّنة لحفظ الراوي لذلك الحديث، أما في حديثنا هذا فإنَّ سفيان لم يضبط حفظه، ونقلت عنه أربع روايات هنَّ: عن الزهري مباشرة، وأخرى بينهما وساطة، وأخرى مسندة، وأخرى مرسلة، فاختلاف هذه الروايات وعدم إمكانية الجمع بينها يصف هذا الحديث بالاضطراب، وعلى هذا فانتهى احتمال سماعه بالعلو والنزول، ثم إنَّ في أقوال الأئمة الذين لمحوا اضطراب سفيان فيه، ما يقطعُ الشكَّ أمام كل احتمال.


(١) وهو: «ثقة، في حديثه عن الزهري بعض الوهم» " التقريب " (٣٥٠).
(٢) في المطبوع: «هذا» وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>