للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما كانا قبل كذلك، وقال الأستاذ أثير الدين أبو حيان في قوله- تعالى:

لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [ (١) ] ، عاد لها استعمالان:

أحدهما: أن تكون بمعنى [تعود] ، قال:

تعود فيكم جزر الجزور ماحنا ... ويرفعن بالأسياف منكسرات.

والثاني: بمعنى رجع إلى ما كان عليه فعلى الأول لا إشكال في قوله:

(أَوْ لَتَعُودُنَّ) فعلا مسندا إلى شعيب وأتباعه، ولا يدل على أن شعيبا كان في ملتهم.

وعلى المعنى الثاني: يشكل، لأن شعيبا لم يكن في ملتهم قط، لكن أتباعه كانوا فيها.

وأجيب عن هذا بوجوه:

أحدها: أن يراد بعود شعيب إلى الملة حال سكوته عنهم قبل أن يبعث، لا حالة الضلال، فإنه كان يخفى دينه إلى أن أوحى اللَّه- تعالى- إليه.

الثاني: أن يكون من باب تغليب حكم الجماعة على الواحد، لما عطفوا أتباعه على ضميره في الإخراج، استحبوا عليه حكمهم في العود، وإن كان شعيب بريئا مما كان عليه قبل الإيمان.

الثالث: أن رؤساءهم قالوا ذلك على سبيل التلبيس على العامة والإيهام أنه كان منهم.

وقال الطوفي: قول شعيب: قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها [ (٢) ] ، لما ما كان منشؤه في قوم كفار انعقد له سبب موافقتهم، فتجوز به عن ملابسة ملتهم، فسمى إعراضه عنها بهداية اللَّه- عز وجل- إياه نجاة، ودخوله فيها لو قدر عودا إليها.


[ (١) ] الأعراف: ٨٨.
[ (٢) ] الأعراف: ٨٩.