للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ (١) ] ، وقوله تعالى لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ* لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ [ (٢) ] ، وقوله- تعالى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [ (٣) ] ، وقوله تعالى: فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (٤) ] ، قالوا: ولا ذنب أعظم من المغاضبة للَّه- تعالى، ومن ذنب من ظن أن لن يقدر عليه اللَّه، وقد أخبر- تعالى، أنه استحق الذم لولا أن تداركه نعمة من عنده وأنه استحق الملاومة، وأنه أقر على نفسه أنه كان من الظالمين، ونهى اللَّه تعالى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكون مثله، وهذا كله لا حجه لهم فيه بل هو حجه لنا على صحة قولنا.

أما إخبار اللَّه- تعالى- أنه ذهب مغاضبا فلم يغاضب ربه قط، ولا أخبر- تعالى- أنه غاضب ربه، والزيادة في القرآن لا تحل فإذ لا شك في شك ولا يجوز أن يظن من له أدنى مسكة من عقل أنه يغاضب اللَّه- تعالى:

فكيف بنبيّ من الأنبياء؟ فعلمنا يقينا أنه إنما غاضب قومه ولم يكن ذلك مرادا للَّه تعالى فعوقب لذلك وإن كان لم يقصد بذلك إلا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.

وأما قوله تعالى: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ فليس على تأولوه من الظن السخيف الّذي لا يظن مثله بضعفة من ضعائف النساء أو ضعفاء الرجال، فكيف بنبي من الأنبياء؟ ومن أبعد المحال أن يكون نبي يظن أن ربه عاجز عنه، وهو يرى أن آدميا مثله يقدر عليه، ولا شك أن من ينسب هذا النوك إلى النبي الفاضل فإنه يشتد غضبه، لو نسب ذلك إليه أو إلى ابنه، فإذا قد بطل ظنهم السخيف، فباليقين نعلم أن معنى: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، إما معناه فظن


[ (١) ] الصافات: ١٤٣- ١٤٤.
[ (٢) ] القلم: ٤٨- ٤٩.
[ (٣) ] الصافات: ١٤٢.
[ (٤) ] الأنبياء: ٨٧.