للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الّذي يأتيه ملك، ويزول الشك عنها، لا أنها فعلت ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليختبر هو حاله بذلك.

بل قد روى في حديث عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن ورقة أمر خديجة أن تخبر الأمر بذلك.

وفي حديث إسماعيل بن أبي الحكم أنها قالت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بن عم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك؟ قال: نعم: فلما جاء جبريل- عليه السلام- أخبرها، فقالت له: اجلس إلى شقي، وذكر الحديث إلى آخره، وفيه قالت: ما هذا بشيطان هذا الملك يا بن عم فاثبت وأبشر وآمنت به، فهذا يدل على أنها مستثبتة بما فعلته لنفسها ومستظهره لإيمانها لا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم.

وقول معمر: ثم فتر الوحي، فحزن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حزنا غدا منه مرار كي ينزو من شواهق الجبال، لا يقدح في هذا الأصل، لقول معمر عنه فيما بلغنا ولم يسنده، ولا ذكر رواته، ولا من حدث به، ولا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قاله، ولا يعرف هذا إلا من جهة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، مع أنه قد يحمل على أنه كان أول الأمر كما ذكرناه، أو أنه فعل ذلك لما خرجه من تكذيب من بلغه كما قال تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ [ (١) ] .

ويصحح معنى هذا التأويل حديث شريك، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد اللَّه، أن المشركين لما اجتمعوا بدار الندوة للتشاور في أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، واتفق رأيهم على أن يقولوا: ساحر اشتدّ ذلك عليه، وتزمل في ثيابه وتدثر فيها، فأتاه جبريل فقال: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (٢) ] يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (٣) ] ، أو خاف أن الفترة لأمر أو سبب منه، وخشي أن تكون عقوبة من ربه، ففعل ذلك بنفسه، ولم يرد بعد شرع بالنهي عن ذلك فيعترض به.


[ (١) ] الكهف: ٦.
[ (٢) ] المزمل: ١.
[ (٣) ] المدثر: ١.