للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالتخفيف، أي أخلفهم اللَّه وعده في النصر، وأنهم ليسوا على شيء جاءَهُمْ نَصْرُنا، بإنجائهم ومن أتبعهم وإهلاك الكافرين.

وقد أنكرت عائشة هذا التأويل، تنزيها للأنبياء- عليهم السلام- من الشك في أمرهم، واختارت الوجه الأول أو نحوه، وليس ما أنكرته بالمنكر، إذ الإنسان يطرأ عليه خوف، أو حزن، أو مرض، أو هم، أو غم، أو أحوال، يقول ويظن فيها أقوالا وظنونا، هو فيها معذور لغلبة ذلك الحال.

ألا ترى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لما تراخى عنه الوحي في مبادئ أمره، خرج ليتردى من شواهق الجبال وجدا لانقطاع الوحي، والرسل- عليهم السلام- يوم القيامة، يقال لهم: ماذا أجبتم؟ فيقولون: لا علم لنا ينسون أو يدهشون، لغلبة تلك الحال عليهم، ثم يتذكرون فيشهدون بما علموا فكذا ظن الرسل هنا أنهم قد كذبوا، هو من هذا الباب، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم.

قال كاتبه: هذه- لعمري- وهلة من وهلات الطوفي، إذ سوى الرسل بسائر البشر في غلبة الحال عليهم حتى باللَّه يظنوا السوء، وقد عصمهم اللَّه من ذلك، ومما دونه أيضا.

قال القاضي عياض: وكذلك ما ورد في حديث السيرة ومبتدأ الوحي من قوله لخديجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: لقد خشيت على نفسي، ليس معناه الشك فيما أتاه اللَّه بعد رؤية الملك، ولكن لعله يخشى أن لا تتحمل قوته مقاومة الملك، وأعباء الوحي لينخلع قلبه أو تزهق نفسه، هذا على ما ورد في الصحيح أنه قال بعد لقاء الملك أو يكون ذلك قبل لقياه الملك وإعلام اللَّه- تعالى- بالنّبوّة لأول ما عرضت عليه من العجائب، وسلّم عليه الحجر والشجر، وبدأته المنامات والتباشير، كما ورد في بعض طرق هذا الحديث، أن ذلك كان أولا في المنام ثم أرى في اليقظة مثله، تأنيا له صلّى اللَّه عليه وسلّم لئلا يفجأه الأمر مشاهدة ومشافهة، فلا تتحمله لأول حاله بنيته البشرية.

وفي الصحيح عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة، قالت: ثم حبب إليه الخلاء، وقالت: إلى أن جاءه الحق، وهو في غار حراء، الحديث- وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة خمس عشرة سنة