قال بعض العارفين: الّذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل، ويحفظ العمل عن غفلة وزلل، وهو كما قال، لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم، والّذي ذكره قد يقع خارقا للعادة، فيكون من باب الكرامة. وفي الحديث مشروعية قص الكبير رؤياه على من دونه، وإلقاء العالم المسائل واختبار أصحابه في تأويلها، وأن من الأدب أن يرد الطالب علم ذلك إلى معلمه، قال: والّذي يظهر أنه لم يرد منهم أن يعبروها، وإنما أراد أن يسألوه عن تعبيرها، ففهموا مراده، فسألوه، فأفادهم، وكذلك ينبغي أن يسلك هذا الأدب في جميع الحالات. وفيه أن علم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم باللَّه لا يبلغ أحد درجته فيه، لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه، وأما إعطاؤه فضله عمر، فيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم باللَّه، بحيث كان لا يأخذه في اللَّه لومة لائم. وفيه أن من الرؤيا ما يدل على الماضي، والحال، والمستقبل، وهذه أوّلت على الماضي، فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع، لأن الّذي أعطيه من العلم كان قد حصل له، وكذلك أعطيه عمر، فكانت فائدة هذه الرؤيا تعريف قدر النسبة بين ما أعطيه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العلم، وما أعطيه عمر رضى اللَّه عنه.. (فتح الباري) مختصرا. [ (١) ] (فتح الباري) : ٧/ ٥٠ كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (٦) مناقب عمر بن الخطاب أبى حفص القرشي العدوي رضى اللَّه عنه، حديث رقم (٣٦٨١) . [ (٢) ] (فتح الباري) : ١٢/ ٥١٦، كتاب التعبير، باب (٣٤) إذا أعطى فضله غيره في النوم، حديث رقم (٧٠٢٧) ، وقيل الرّيّ اسم من أسماء اللبن. [ (٣) ] (فتح الباري) : ١/ ٢٣٨، كتاب العلم، باب (٢٢) فضل العلم، حديث رقم (٨٢) . [ (٤) ] (مسلم بشرح النووي) : ١٥/ ١٩٦، كتاب فضائل الصحابة، باب (٢) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (٢٣٩١) . [ (٥) ] (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق [بدون رقم] .