فِي هَذَا: إنّي مُخْبِرُكُمْ غَدًا. وَاسْتَثْنِ مَشِيئَةَ اللهِ {وَاذْكُرْ رَبّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبّي} لِخَيْرِ مِمّا سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ رَشَدًا، فَإِنّك لَا تَدْرِي مَا أَنَا صَانِعٌ فِي ذَلِكَ {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا} أَيْ سَيَقُولُونَ ذَلِكَ. {قُلِ اللهُ
ــ
قَوْلَهُ. {وَلَا تَقُولَنّ لِشَيْءٍ إِنّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الْكَهْفِ: ٢٣] نَهَى عَنْ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ أَنْ يَصِلَهُ بِإِلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ فَيَكُونُ الْعَبْدُ الْمَنْهِيّ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ مَنْهِيّا أَيْضًا عَنْ أَنْ يَصِلَهُ بِقَوْلِهِ {إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} هَذَا مُحَالٌ فَقَوْلُهُ إِذا: {إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} اسْتِثْنَاءٌ مِنْ اللهِ رَاجِعٌ إلَى أَوّلِ الْكَلَامِ وَهَذَا أَيْضًا إذَا تَأَمّلْته نَقْضٌ لِعَزِيمَةِ النّهْيِ وَإِبْطَالٌ لِحُكْمِهِ فَإِنّ السّيّدَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ لَا تَقُمْ إلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ أَنْ تَقُومَ فَقَدْ حَلّ عُقْدَةَ النّهْيِ لِأَنّ مَشِيئَةَ اللهِ لِلْفِعْلِ لَا تُعْلَمُ إلّا بِالْفِعْلِ فَلِلْعَبْدِ إِذا أَنْ يَقُومَ وَيَقُولَ قَدْ شَاءَ اللهُ أَنْ نَقُومَ فَلَا يَكُونُ لِلنّهْيِ مَعْنًى عَلَى هَذَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ رَدّ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى النّهْيِ وَلَا هُوَ مِنْ الْكَلَامِ الّذِي نَهَى الْعَبْدَ عَنْهُ فَقَدْ تَبَيّنَ إشْكَالُهُ وَالْجَوَابُ أَنّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَإِضْمَارًا تَقْدِيرُهُ وَلَا تَقُولَن: إنّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلّا ذَاكِرًا إلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ، أَوْ نَاطِقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللهُ وَمَعْنَاهُ إلّا ذَاكِرًا شِيئَةَ اللهِ كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ; لِأَنّ الشّيئَةَ مَصْدَرٌ وَأَنْ مَعَ الْفِعْلِ فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَإِعْرَابُ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ مَفْعُولٌ بِالْقَوْلِ الْمُضْمَرِ وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ الْقَوْلَ وَتَكْتَفِي بِالْمَقُولِ فَفِي التّنْزِيلِ {فَأَمّا الّذِينَ اسْوَدّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٠٦] أَيْ يُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ فَحُذِفَ الْقَوْلُ وَبَقِيَ الْكَلَامُ الْمَقُولُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرّعْدِ ٢٤] أَيْ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَهُوَ كَثِيرٌ وَكَذَلِكَ إِذا قَوْلُهُ {إلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} هِيَ مِنْ كَلَامِ النّاهِي لَهُ سُبْحَانَهُ ثُمّ أَضْمَرَ الْقَوْلَ وَهُوَ الذّكْرُ الّذِي قَدّمْنَاهُ وَبَقِيَ الْمَقُولُ وَهُوَ أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِي هَذَا الْمَقَامِ وَإِنْ كَانَ فِي الْآيَةِ مِنْ الْبَسْطِ وَالتّفْتِيشِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا.
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ:
فَصْلٌ: وَفْد فَسّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ} [الْكَهْف: ٢٥] فَقَالَ مَعْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute