للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَثَ فِيهِمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَدْرَكَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَادِي رَانُونَاءَ، فَكَانَتْ أَوّلَ جُمُعَةٍ صلاهَا بِالْمَدِينَةِ.

ــ

يَأْتِي بِالْحَجَرِ قَدْ صَهَرَهُ إلَى بَطْنِهِ فَيَضَعُهُ فَيَأْتِي الرّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يُقِلّهُ فَلَا يَسْتَطِيعُ حَتّى يَأْمُرَهُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَأْخُذَ غَيْرَهُ يُقَالُ صَهَرَهُ وَأَصْهَرَهُ إذَا أَلْصَقَهُ بِالشّيْءِ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الصّهْرِ فِي الْقَرَابَةِ وَهَذَا الْمَسْجِدُ أَوّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي أَهْلِهِ نَزَلَتْ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَنْ يَتَطَهّرُوا} [التّوْبَةُ: ١٠٨] فَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الّذِي أُسّسَ عَلَى التّقْوَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: " أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَسْجِدِ الّذِي أُسّسَ عَلَى التّقْوَى، فَقَالَ "هُوَ مَسْجِدِي هَذَا" وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: "وَفِي الْآخَرِ خَيْرٌ كَثِيرٌ" وَقَدْ قَالَ لِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ حِينَ نَزَلَتْ {لَمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التَّوْبَة: ١٠٨] ، "مَا الطّهُورُ الّذِي أَثْنَى اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ"؟ فَذَكَرُوا لَهُ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ بِالْحَجَرِ فَقَالَ "هُوَ ذَاكُمْ فَعَلَيْكُمُوهُ" وَلَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُضٌ كِلَاهُمَا أُسّسَ عَلَى التّقْوَى، غَيْرَ أَنّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التَّوْبَة: ١٠٨] يَقْتَضِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ لِأَنّ تَأْسِيسَهُ كَانَ فِي أَوّلِ يَوْمٍ مِنْ حُلُولِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَارُ مُعْجِزَتِهِ وَالْبَلَدُ الّذِي هُوَ مُهَاجَرُهُ.

التّارِيخُ الْعَرَبِيّ:

وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التَّوْبَة: ١٠٨] وَقَدْ عُلِمَ أَنّهُ لَيْسَ أَوّلَ الْأَيّامِ كُلّهَا، وَلَا أَضَافَهُ إلَى شَيْءٍ فِي اللّفْظِ الظّاهِرِ [فَتَعَيّنَ أَنّهُ أُضِيفَ إلَى شَيْءٍ مُضْمَرٍ] فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ صِحّةُ مَا اتّفَقَ عَلَيْهِ الصّحَابَةُ مَعَ عُمَرَ حِينَ شَاوَرَهُمْ فِي التّارِيخِ فَاتّفَقَ رَأْيُهُمْ أَنْ يَكُونَ التّارِيخُ مِنْ عَامِ الْهِجْرَةِ لِأَنّهُ الْوَقْتُ الّذِي عَزّ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَاَلّذِي أُمّرَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>