للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - وَهْمُهُ في سياق قصةٍ لأبي جعفر المنصور مع الأوزاعي رحمهما الله: فقد أورد (ص ٢٩٥) خبرًا مفاده أنَّ الرَّشيد سأل الأوزاعيَّ عن لُبْسِ السَّواد، فقال: "إني لا أحَرِّمُهُ؛ ولكن أكرهه". قال: "ولِمَ؟ ".

قال: "لأنه لا تُحلَّى فيه عروسٌ، ولا يُلبِّي فيه مُحْرِمٌ، ولا يُكفَّن فيه ميِّتٌ ... " إلخ القصة (١).

ويظهر أنَّ المؤلف وَهِمَ في عزو هذا الخبر لهارون الرَّشيد؛ فإن القصة المذكورة وقعت بين الخليفة أبي جعفر المنصور والإمام الأوزاعيِّ، وليس بين الرَّشيد والثاني، وذلك لأمور:

الأول: أنَّ الإِمام الأوزاعيَّ لم يدرك خلافة هارون الرَّشيد قطعًا؛ فإنَّ وفاته كانت سنة (١٥٧ هـ) في خلافة المنصور (٢)، والرَّشيد لم يبايَع بالخلافة إلَّا سنة (١٧٠ هـ)، فكيف يكون ذلك اللقاء؟ !

الثاني: أنَّ ولادة هارون الرَّشيد كانت سنة (١٤٩ هـ) في خلافة المنصور (٣)، فعلى هذا يكون اللقاء قد حصل بينهما وعمر الخليفة الرَّشيد آنذاك ثمان سنين؛ وهذا مستبعد جدًّا!

الثالث: أنَّ الحافطين الذهبي وابنَ كثيرٍ ذكرا هذه القصة، وأنها وقعت للأوزاعي مع أبي جعفر المنصور، فقد دخل على المنصور ووعظه، فأحبَّه المنصور وعظَّمه، ولما أراد الانصراف استعفى من لُبْس السَّواد، فأجابه المنصور وأذِنَ له.

فلما خرج، قال المنصور للرَّبيع: الحقه فاسأله لِمَ كره السَّواد؟ ولا تُعلِمُهُ أني قلتُ لك.

فسأله الرَّبيع فقال: لأني لم أرَ مُحْرِمًا أحرم فيه، ولا ميتًا كُفِّن فيه، ولا عروسًا جُلِّيتْ فيه؛ فلهذا أكرهه. والله تعالى أعلم.


(١) انظر: "سير أعلام النبلاء". (٧/ ١٢٦)، و"البداية والنهاية" (١٠/ ١٢٢).
(٢) انظر ترجمة الأوزاعي في: "سير أعلام النبلاء" (٧/ ١٠٧ - ١٣٤)، و "البداية والنهاية" (١٠/ ١١٨). وستأتي في (ص ٢٩٥).
(٣) انظر ترجمة هارون الرشيد في: "الجوهر الثمين" (١/ ١٢٥ - ١٣٠)، و"تاريخ الخلفاء" (ص ٢٤٩ - ٢٦١). وستأتي في (ص ٢٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>