للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ} (١) فاستثنى في الجميع التوبة، وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (٢) فأوجب على نفسه تفضلاً على من شاء، فينبغي لمن فعل هذه (٣) الأشياء - عصمنا الله عنها بمنه وعن جميع المآثم - أن يخاف ألا يكون فيمن يدخل في المشيئة، ويرجو عفوه ولا يقنط، فإن الله عز وجل قال: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (٤).

كان ابن شهاب إذا سئل هل للقاتل توبة يتعرف من السائل، هل قتل أم لا؟ ويطاوله، فإن قال: لا، قال: لا توبة له، وإن قال: نعم، قد قتل، قال: له توبة (٥).


(١) [سورة الفرقان: الآيات ٦٨ - ٧٠]
(٢) [سورة النساء: الآية ٤٨]
(٣) في الأصل: هذا، والصزاب ما أثبت.
(٤) [سورة الزمر: الآية ٥٣]
(٥) ذكره ابن عطية في تفسيره: ٤/ ٢١٥.
وهذا من فقه الفتوى، ومعرفة حال المستفتي، روى سعيد بن منصور في سننه: ٤/ ١٣٤٧، والبيهقي في سننه: ٨/ ١٦ عن سفيان بن عيينة قال: كان أهل العلم إذا سئلوا، قالوا: لا توبة له، فإذا ابتلي رجل قالوا له: تب.

وقد روي نحو هذا عن ابن عباس: فعن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: لمن قتل مؤمناً توبة؟ قال: لا إلا النار، فلما ذهب قال له: جلساؤه ما هكذا كنت تفتينا، كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمناً توبة مقبولة، فما بال اليوم؟ قال: إني أحسبه رجل مغضب يريد أن يقتل مؤمناً، قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك.
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: ٥/ ٤٣٤ الموضع السابق، والنحاس في الناسخ والمنسوخ: ٢/ ٢٢٤، وابن الجوزي في نواسخ القرآن: ٣٥٤.

<<  <   >  >>