(٢) ذهب مالك رحمه الله إلى أن المقتول الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق أنه المؤمن. قال رحمه الله في هذه الآية: فهذا في الهدنة التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين أنه إن أصيب مسلم خطأً لم يهاجر فديته على المسلمين إلى قومه. ... [النوادر والزيادات: ٣/ ٣٥٤، ١٣/ ٤٩٠]. وما ذهب إليه مالك يروى عن: جابر بن زيد، والحسن، وإبراهيم. وقد ذهب ابن عباس، والزهري، والشعبي، وقتادة، وابن زيد إلى أن المقصود بالقتيل هنا: الكافر - الذمي والمعاهد - وليس المؤمن؛ لأن الله أبهمه، ولم يقل وهو مؤمن كما قال في القتيل من المؤمنين ومن أهل الحرب، وهذا ما رجحه ابن جرير والجصاص. [تفسير الطبري: ٥/ ٢٠٨، أحكام القرآن للجصاص: ٢/ ٣٣٦، ٣٤٥، أحكام القرآن لابن العربي: ١/ ٦٠٣، تفسير القرطبي: ٥/ ٣٢٥]. (٣) يقصد المؤلف أن المهادنات والمواثيق قد نسخت وعليه فلا دية للكفار غير أهل الذمة، وقد ذكر هذا القول مكي حيث قال: ذكر ابن أبي أويس أن هذا منسوخ بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فليس لأحد غير مسلم دية يعني من الكفار غير أهل الذمة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعاهد بعد نزول براءة أحداً من الناس. [الإيضاح: ٢٣١، وانظر تفسير القرطبي: ٥/ ٣٢٥].
قلت: وفيما ذكر المؤلف هنا نظر: فإن المعاهدة والمهادنة لم تنسخ قال ابن كثير في قوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] وقال ابن عباس، ومجاهد، وزيد بن أسلم، وعطاء الخرساني، وعكرمة، والحسن، وقتادة: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة، وفيه نظر أيضاً؛ لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إن كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص والله أعلم. [تفسير القرآن العظيم: ٢/ ٣٢٢، وهذا ما رجحه جمع من أهل العلم: النحاس في الناسخ والمنسوخ: ٢/ ٣٨٦، ومكي في الإيضاح: ٣٠٠، وابن العربي في أحكام القرآن: ٢/ ٤٢٧، والقرطبي في تفسيره: ٨/ ٤٠]. وكل من قال من أهل العلم بنسخ المعاهدة والمهادنة فإنه يثبتها في بعض الحالات، وقد تكلم أهل العلم في مسألة المهادنة والمعاهدة وشروطها في كتاب الجهاد من كتب الفقه. قال الشافعي: فرض الله عز وجل قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا، وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} فهذا فرض الله على المسلمين قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم وقد كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتال كثير من أهل الأوثان بلا مهادنه، إذ انتاطت دورهم عنهم، وهادن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ناساً، ووادع حين قدم المدينة يهوداً على غير ما خرج أخذه منهم، وقتال الصنفين من المشركين فرض إذا قوى عليهم، وتركه واسع إذا كان بالمسلمين عنهم أو عن بعضهم ضعف، أو في تركهم للمسلمين نظر للمهادنة وغير المهادنة. [الأم: ٤/ ١٨٨].