للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا يُمكِنُ أنْ يَجتمِعُوا على تركِ سُنَّةٍ، ولا أنْ يَجتمِعُوا على فعلِ خطأٍ، وقد قال ابنُ أبي زيدٍ في "جامعِهِ": "وَالتَّسْلِيمُ لِلسُّنَنِ لا تُعَارَضُ بِرَأْيٍ، وَلَا تُدَافَعُ بِقِيَاسٍ، وَمَا تَأَوَّلَهُ مِنْهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ تَأَوَّلْنَاهُ، وَمَا عَمِلُوا بِهِ عَمِلْنَاهُ، وَمَا تَرَكُوهُ تَرَكْنَاهُ، وَيَسَعُنَا أَنْ نُمْسِكَ عَمَّا أَمْسَكُوا، وَنَتَّبِعَهُمْ فِيمَا بَيَّنُوا، وَنَقْتَدِيَ بِهِمْ فِيمَا اسْتَنْبَطُوهُ وَرَأَوْهُ فِي الحَوَادِثِ، وَلَا نَخْرُجَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أَوْ فِي تَأْوِيلِهِ" (١).

وكان ابنُ أبي زيدٍ معظِّمًا للسُّنَّةِ، بصيرًا بها، عالمًا بأقوال السلف، عارفًا بتاريخ البِدَعِ ونشأتِها، وقد كان يقولُ في بِدَعِ أصولِ الدِّين: "بنو أُمَيَّةَ لم يكن فيهم خليفةٌ ابتَدَعَ في الإسلامِ بِدْعةً" (٢).

ولا تنتشِرُ البدعُ إلا عند مَن عطَّل الأثرَ وجَهِل منزلةَ الصحابةِ والتابعينَ في حِفظِ الدِّين، فمَن جَهِلَ الأثرَ استحسَنَ العملَ بالرأي فعَبَدَ اللهَ بذَوْقِه وما يُعجِبُه، حتى يَجِدَ مِن المَيْلِ والنشاطِ في عبادة الله بالبدعةِ أكثَرَ مِن السُّنَّةِ، حتى مِنهم مَن لا يزكِّي ولا يتصدَّقُ في الواجبات ويُنفِقُ الأموالَ الطائلةَ على الاحتفالِ بالمولِدِ النبوي، ويسوَّلُ له أنَّ مَن ينهاهُ عن ذلك لا يعظِّمُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، وما تعظيمُه إلا باتِّباع عملِه مِن صلاةٍ وصدقةٍ وصِلَةٍ وإحسانٍ، وتركِ ما يَكرَهُه مِن الأفعال، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]، فإذا كانَتْ محبةُ الله -وهي أعظَمُ محبَّةٍ- لا تتحقَّقُ إلا باتِّباعِ فعلِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فإنَّ محبةَ نبيِّه مِن بابِ أَوْلَى.


(١) "الجامع" (ص ١١٧).
(٢) الحجة على تارك المحجة (ص ٤٩٧).

<<  <   >  >>