للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روى أبو داودَ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسِ؛ قال: "كَانَتِ المَرْأةُ تكونُ مِقْلَاتًا، فتَجعَلُ على نَفْسِها إنْ عاشَ لها وَلَدٌ أنْ تُهَوِّدَهُ، فلمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِير، كان فيهم مِنْ أبناءِ الأنصارِ، فقالوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا؛ فأنزَلَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦] " (١).

والقائلُ بأنَّ هذه الآيةَ تدُلُّ على جوازِ الخروجِ مِن الإسلام، أو أنَّه مساوٍ لغيرِهِ، ضَرَبَ بفهمِ ظاهِرِ آيةٍ ألفَ آيةٍ وحديثٍ وأبطَلَها؛ وهذا لا يقولُهُ مِن جهةِ الشرعِ عالِمٌ، ولا مِن جهةِ النظَرِ صاحبُ فِكْر؛ فالدليلُ لا يُضرَبُ به دليلٌ آخَرُ يُخالِفُهُ مِن وجهٍ ويُفارِقُهُ مِن وجه؛ فكيف بإبطالِ ألفِ دليلْ، بظاهرِ دليلْ؟ !

* وأمَّا قولُهُ تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩]: فقد حمَلَ بعضُهم (٢) هذه الآيةَ على التخييرِ بين الإسلامِ وغيرِهِ، والمساواةِ بينهما؛ وهذا لا تَدُلُّ عليه الآيةُ؛ لا في ظاهِرِها، ولا في باطِنِها:

* أمَّا المساواةُ: فالآيةُ تَنفِيها؛ فقد سَمَّتِ الإيمانَ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إيمانًا، وسمَّت الإيمانَ بغيرِهِ كفرًا.

* وأمَّا القولُ بأنها تفيدُ التخييرَ بين الإيمانِ والكفرِ: فهذا كلامُ مَن لا يَفهَمُ لسانَ العرب؛ فالآيةُ هي تهديدٌ ووعيد، وهوأسلوبٌ معروفٌ عند وضوحِ الحُجَّةِ وإقامتِها على أحدٍ يَتِمُّ تهديدُهُ وتحدِّيهِ بقولهم: "إنْ شِئْتَ افْعَلْ، وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْ"؛ يعني: ستَجِدُ ثوابَكَ وعقابَك.

وهذا يدُلُّ عليه كمالُ الآيةِ؛ فإنَّ الله لما قال: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ


(١) أبو داود (٢٦٨٢).
(٢) انظر: "الكشاف" (٢/ ٦٧٢).

<<  <   >  >>