للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا ينبغي أن يَكُونَ الإنسانُ كالحمارِ لا يَفْرَحُ بنِعمةٍ ولا يتألَّمُ بنِقمةٍ، بل يجبُ أن يَكُونَ الإنسانُ إنسانًا منفعلًا مع الحوادِثِ، يَفرحُ في موضِعِ الفرَحِ، ويغتمُّ في موضِعِ الإغتمامِ.

وقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} يقولُ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [الضَّميرُ للإنسانِ باعتبارِ الجنسِ] أزال بذلك إشكالًا وهو أن الآيَةَ {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ} [الشُّورَى: ٤٨]، والإنسانُ واحدٌ، كيف يقولُ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ} فيُعيدُ الضَّميرَ عليه جمعًا؟ أجاب عنها المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ بأنَّ المرادَ بالإنسانِ الجنسُ، فيشْمَلُ كلَّ إنسانٍ. ويصحُّ أن يقولَ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} ضدَّ رَحْمَةٍ؛ ولهذا فَسَّرَها المفسِّرُ بالبلاءِ.

وقوله: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: بما قدَّموا من المعاصي، وعبَّرَ بالأيدي؛ لأنَّ أكْثَرَ الأفعالِ تُزَاوَلُ بها، لو أَنَّك فَكَّرْتَ أَيُّما أَكْثَرُ عملًا الأيدي أم الأرجُلُ؟ الجوابُ: الأيدي، فمشْيُكَ من بيْتِك للمسجِدِ كم خطوةً كم حركةً؟

فيُقالُ: إنَّ حركةَ الرِّجْلِ في جنسٍ واحدٍ، وهو المشْيُ، لكنَّ حركةَ اليدِ ما أَكْثَرَ أنواعَهَا فضلًا عن أفرادِها، فالأعمالُ حقيقةً إنَّما تُزاوَلُ باليدِ؛ لأنَّها أَكْثَرُ من أيِّ عضوٍ في البَدَنِ مزاوَلةً للأعمالِ، حتَّى لو قال قائلٌ: اللِّسانُ أكثرُ من اليدِ، مَن يُحصي كلماتِ اللِّسانِ؟ نُجيبُ عن هذا بما أَجَبْنا عن المشْيِ بأنَّها من جنسٍ واحدٍ، لكنَّ اليدَ تَبْطِشُ، تَضْرِبُ، تكتبُ، تمحو، يعني لا تُحصى أنواعَها؛ فلذلك عُبِّرَ بالأيدي عن النَّفْسِ.

ومن ذلك قولُهُ تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: ٧١] {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} المرادُ: مما عَمِلْنا، لكنَّ اللغةَ العربيَّةَ واسعةٌ تُعَبِّرُ بالأيدي عن النَّفْسِ، ومن ثَمَّ نَعْلَمُ أنَّه لا سَواءٌ بين خَلْقِ آدمَ بِيَدِ اللهِ وبين عَمَلِ أيدي اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الإِبِلِ ونحْوِها.

<<  <   >  >>