بالإستخارةِ؛ لوجهين: الأوَّلُ أنَّه ظاهرُ الحديثِ، والثَّاني أن كَوْنَكَ تَرْجِعُ إلى اللهِ خيرٌ من كونك ترجعُ إلى آراءِ النَّاسِ.
إذَن:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} يُسْتَثْنَى منه ما ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُه لوَلِيِّ الأمْرِ، فإنه لا حاجةَ إلى أن يُشَاوِرَ، ويَدُلُّ لهذا الإستثناءِ عملُ السَّلفِ الصالِحِ، فها هو عُمَرُ - رضي الله عنه - وهو من أشدِّ الخلفاءِ اهتمامًا بالرَّعيَّةِ لا يُشاورُ إذا كانتِ المصلحةُ ظاهرةً له، وإنما يشاوِرُ إذا أَشْكَلَ عليه الأمْرُ، لو أَحْصَيْتَ ما شاور فيه ما بَلَغَ إلا العشراتِ أو أقَلَّ، وقد بَقِيَ عَشْرَ سنواتٍ في الخلافةِ، هذا العملُ السَّلفِيُّ من الخلفاءِ الرَّاشدين يُقَيِّدُ قَوْلَهُ تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ من صفاتِ الَّذين آمَنوا وعلى ربِّهِم يَتَوَكَّلون بَذْلَ المالِ في طاعةِ اللهِ؛ لقولِهِ:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وهل يُطْلَبُ من الإنسانِ أن يُنْفِقَ جميعِ مالِهِ؟ هذا يَنْبَنِي على (مِنْ) هل هي للتَّبعيضِ أو للجنسِ؟ إذا قُلْنا: للتَّبعيضِ صار المدحُ على مَن أَنْفَقَ بعضَ مالِهِ، وإذا قُلْنا: للجنسِ؛ أي: أنهم ينفقون من هذا الجنسِ الَّذي رَزَقَهُم اللهُ، صار عامًّا، والتَّفصيلُ هو التَّأصيلُ إن شاء اللهُ إذا كان الإنسانُ لا يَنْقُصُ إنفاقُهُ شيئًا من واجباتِ الإنفاقِ على الأهلِ فلا حَرَجَ أن يُنْفِقَ جميعَ مالِهِ، مثلَ أن يَكُونَ عِنْدَ إنسانٍ مئةُ ريالٍ لا يَحْتَاجُهَا للإنفاقِ على أَهْلِهِ، وليس عنده سواها نقولُ هنا: أَنْفِقْ جميعَ المئَةِ، ثم اكتسبْ للإنفاقِ على أَهْلِكَ، كما فعل أبو بكرٍ - رضي الله عنه - (١)، أمَّا إذا كان يحتاجُ المالَ للإنفاقِ الواجبِ على أهْلِهِ وهو ضعيفُ الإكتسابِ، فهنا نقولُ: لا تُنْفِقْ جميعَ مالِكَ، أَمْسِكْ عليك بَعْضَ مالِكَ فهو خيرٌ لك.
(١) أخرجه أبو داود: كتاب الزكاة، باب الرخصة في ذلك؛ أي أن يخرج الرجل من ماله، رقم (١٦٧٨)، والترمذي: كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، رقم (٣٦٧٥)، من حديث عمر - رضي الله عنه -.