الوجهُ الأوَّلُ: أن يُخَاطَبَ بها الشَّخصُ بعينِهِ، فيقالَ له: إنَّ الآخرةَ خيرٌ لك.
والثَّاني: أن تَأْتِيَ مُقَيَّدَةً بأوصافٍ محبوبةٍ مطلوبةٍ.
والثَّالثُ: أن تأتِيَ مُطْلَقَةً.
قالَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لنبِيِّه - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى}[الضُّحى: ٤]، فالآن نَشْهَدُ أنَّ الآخرةَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ له من الأُولى، هذا قُيِّدَ بشخصٍ معيَّنٍ، المُقَيَّدُ بأوصافٍ كالآيةِ الَّتي معنا، وكقولِهِ تعالى:{وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا}[يوسفَ: ١٠٩]، فهذه مقيَّدَةٌ بأوصافٍ. الثَّالثةُ مُطْلَقَةٌ؛ كقولِهِ تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: ١٦ - ١٧]، لكنَّ هذا المُطْلَقَ يُحْمَلُ على المُقَيَّدِ، أو يُقالُ: هذا باعتبارِ وصْفِه لا باعتبارِ من يَحْصُلُ له، فيكونُ من حيث الإجمالُ الآخرةُ خيرٌ وأبقى، أمَّا من حيث التَّفصيلُ فَيُفَصَّلُ في كلِّ مَوْضِعٍ بِحَسَبِه.
وقوله:{لِلَّذِينَ آمَنُوا} آمنوا بكلِّ ما يجبُ الإيمانُ به، وقد سأل جبريلُ النَّبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ - عن الإيمانِ، فقال له:"الإيمانُ أن تُؤْمِنَ باللهِ، وملائكتِه، وكتبِه، ورسُلِه، واليوم الآخِرِ، والقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ"(١). إذنْ آمِنوا بما يجبُ الإيمانُ به، هذه العبارةُ الَّتي تَشْمَلُ كُلَّ شيءٍ.
وقوله:{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} قَدَّمَ المعمولَ لإفادةِ الحَصْرِ والعنايةِ به {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} الرَّبُّ هو الخالقُ المالِكُ المُدَبِّرُ، {يَتَوَكَّلُونَ}؛ أي: يَعْتَمِدُونُ ويُفَوِّضُونُ أَمْرَهُم إليه تَبَارَكَ وَتَعَالَى والتَّوَكُّلُ فَسَّرَه بعضُهُم بأنَّه: صِدْقُ الإعتمادِ على اللهِ في جلْبِ المنافعِ ودفْعِ المضارِّ مع الثِّقةِ باللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى صِدْقُ الإعتمادِ على اللهِ؛ يعني: أن تعتمدَ على اللهِ اعتمادًا صادقًا، لا تَلْتَفِتُ إلى سواه في جَلْبِ المنافعِ ودفْعِ المضارِّ، زِدِ: الثِّقةَ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛
(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام، رقم (٨)، من حديث عمر - رضي الله عنه -.