منكم. إذا جاء هذا الإعراضُ على شخصٍ لا يعرفُ المجادَلَةَ، قال: هذا نعم صحيحٌ، فقال العامِّيُّ: إنَّنا نؤمنُ برسولِكم ولا تُؤْمِنوا برسولِنا، آمِنوا برسولِنا نُزَوِّجْكم. وهذه حُجَّةٌ صحيحةٌ بلا شكٍّ، فإذا كانت صحيحةً من عامِّيٍّ كان هذا دليلًا على أنَّ المجادَلَةَ تكُونُ غريزةً، وتكونُ بالمِراس والتَّمَرُّنِ.
مسألةٌ في مُجادلةِ أهلِ الباطِل: إذا كان لهم السُّلْطَةُ بمعنى أنك لو جادَلْتَهم علنًا لكان عليك خطرٌ، فَدَعْ هذه المجادَلَةَ، لكن لك أن تتكلَّمَ في المجالِسِ الخاصَّةِ، أو في المجالِسِ التي لا يوجَدُون فيها، وتَعْرِضُ المَذْهَبَ وتُبَيِّنُ بُطْلانَهُ، لو لم يَكُنْ من هذا العَرْضِ إلا تشكيكُ العامَّةِ في هؤلاء لكان كَافِيًا، وزحزحةُ العقيدةِ والتشكيكُ فيها مهمٌّ جدًّا، فأنت مثلًا إذا رأيتَ أناسًا على باطلٍ وبَيَّنْتَ الحقَّ، لو لم يَكُنْ من الفائدةِ إلا أن يَشُكُّوا في الأمرِ، حتى عند زعمائِهِم يَشُكُّون في قولهِم، ما دُمْتَ أنت أَتَيْتَ بالحقِّ وبَيَّنْتَهُ؛ ولهذا سَمِعْتُ عن بعضِ دعاةِ النصرانيَّةِ - قاتَلَهُم اللهُ وَلَعَنَهُم إلى يومِ القيامةِ - سَمِعْتُ أنه يقولُ لقومِهِ: يا قَوْمَنا إنكم لم تَنْقُلُوا المُسْلِمُ إلى النصرانيَّةِ هذا مستحيلٌ؛ لأنَّ دِينَنَا النصرانيَّةَ الموجودَ الآن كلٌّ يَعْرِفُ أنه خرافةٌ وليس على شيءٍ، لكن يَكْفِيكم أن تُشَكِّكُوا المُسْلِمَ في دينِه.
انْظُرِ الخُبثاءَ، يكفيكم أن تُشَكِّكُوا المُسْلمَ في دينِهِ، اجعلوه يَشُكُّ فقط، وإذا شكَّ الإنسانُ فيما يجبُ الإيمانُ به فهو كافرٌ، ما يجبُ الإيمانُ به يجبُ الجزمُ به، فانظرْ كيف أساليبُهُم ونحن - والحمدُ للهِ - عندنا من الأساليبِ أقوى منهم، لكن فقط عندنا أن الإنسانَ إذا رأى هذا العالِمَ يُمْكِنُ أن يخافَ، وشجاعةُ خالدِ بنِ الوليدِ وحمزةَ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ غيرُ موجودةٍ الظاهرُ إلا في قليلٍ من الناسِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّه لا مفرَّ لمن حادَّ اللهَ ورسولَهُ من عقوبةِ اللهِ؛ لقولِهِ:{وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}.