للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"لا معنى" ما ذهب إليه أهلُ التحريفِ الذين يجعلون لآياتِ الصفاتِ معنًى يُعَيِّنُونَهُ هم؛ لأنَّه قال: "لا كَيْفَ" ردًّا على المُمَثِّلَةِ "ولا معنى" ردًّا على المُعَطِّلَةِ.

فالمرادُ بالمعنى الذي نفاه الإمامُ أحمدُ، وتَبِعَهُ ابنُ قُدَامَةَ (١) رَحَمَهُمَا اللَّهُ المرادُ به المعنى الذي ابتكره هؤلاء المُعَطِّلَةُ.

ونحن نقولُ: إنَّ اللهَ تعالى أضاف الكلامَ إلى نفْسِه، وقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساءِ: ١٦٤]، وأكَّدَ ذلك بقولِهِ: {تَكْلِيمًا} أثبتتِ الأدلَّةُ أنَّه يُكَلِّمُ من شاء من خَلْقِهِ، فما الذي يجعلُنا نُحَرِّفُ، وأيُّهُما أحقُّ بالكمالِ، إلهٌ يتكلَّمُ متى شاء بما شاء، وإلهٌ لا يتكلَّمُ؟

الجوابُ: الأوَّلُ؛ بل الثاني لا يستحقُّ أن يكون إلهًا؛ ولهذا قال إبراهيمُ: {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريمَ: ٤٢].

إذن: من قولِهِ: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} نستفيدُ إثباتَ الكلامِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: حِكْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بتأخيرِ العقوبةِ عن العصاةِ، ومن الحُكْمِ في هذا أن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْهِلُهُم لَعَلَّهُم يستعتبون، ولذلك قال: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [فاطرٌ: ٤٥].

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن الدنيا لها حدٌّ؛ لقولِهِ: {مُسَمًّى}؛ أي: مُعَيَّنٌ محدودٌ، كما قال عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ}؛ أي: العذابَ {إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ}.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الذين أُورثوا الكتابَ من بعدهم في شكٍّ منه مُريبٍ،


(١) انظر: لمعة الإعتقاد (ص: ٦ - ٧)، وذم التأويل (ص: ٢٢).

<<  <   >  >>