للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعجَبُ أننا لو سأَلَنا سائِل: لماذا عدَل المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ عن اسمِ التَّفضيل إلى اسمِ الفاعِل؟ قال: لأنه لا يَنبَغي أن يَكون هناك تَناسُب أو مُفاضَلة بين الخالِق والمَخلوق.

إذا قُلتَ: (أَعلَمُ) مَعناه: فضَّلت الخالِق عن المَخلوق، فنَقول له: سبحان الله! وإذا قُلت: (عالِم) فقد سوَّيْت الخالِق بالمَخلوق، فانْظُر كيف عدَل عن ظاهِر اللَّفْظ إلى فَساد المَعنَى! فجَنَى جِنايَتَيْن - عفا الله عنه -:

الأُولى: مُخالَفة ظاهِر اللَّفْظ.

الثاني: تَنقيص الخالِق في عِلْمه.

فنَحن نَقول: إن الله تعالى أَعلَمُ وأَرحَمُ، ففي القرآن الكريم: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: ١٥١]، وأَحكَم {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: ٨].

بل أَبلَغُ من ذلك أن الله تعالى قال: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: ٥٩]، مع العِلْم بأنه لا أحَدَ يَظُنُّ أو يُقدِّر أن الأصنام مثل الخالِق، لكن قال هذا من أَجْل إفحام الخَصْم، وبيان ضَلاله؛ بأن نَقول له: آللهُ خيرٌ أَمِ الذي تُشرِكون به؟

فالحاصِلُ: أن علينا أن نُجرِي (أَعلَم) على ظاهِرها من أن المُراد بها تَفضيل الله تعالى في عِلْمه على عِباده، فهو أَعلَمُ بما يَفعَلون.

فإن قال قائِل: إن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ عدَل عن (أَعلَم) إلى (عالِم)؛ لأن الناس لا يَعلَمون ما يَفعَلون، فالعِلْم مُنتَفٍ وحينئذ لا يَكون تَفسيرُه (أَعلَم) بـ (عالِم) ضارًّا؟

قُلْنا: هذا خطَأ أيضًا، بلِ العالم يَعلَمون ما يَفعَلون، إِذْ كل إنسان يَعلَم ما فعَل،

<<  <   >  >>