وقوله تعالى:{فَاعْبُدْ} الفاء يَقولون: إنه جِيء بها لتَحسين اللَّفْظ، ولو حُذِفت في غير القُرآن لاستَقام الكلام، لكنها في القرآن لا تُحذَف؛ لأنه نزَل من عند الله تعالى، ولا يُمكِن تَغييرُه، إنما في التَّعبير بمِثْل ذلك يُسمُّون هذه الفاءَ فاءَ التَّزْيِين، ولها نَظير مثل قولهم: عِندي كذا وكذا فقَطْ. أي قَطُّ، والفاء زائِدة؛ لتَحسين اللَّفْظ.
قال تعالى:{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ}: (اعْبُدْ) فِعْل أَمْر أي: تَذلَّل له بفِعْل عِبادة بامتِثال أوامِره واجتِناب نَواهيه.
واعلَمْ أن العِبادة تُطلَق على مَعنَيَيْن:
المَعنَى الأوَّل: التَّعبُّد.
والمَعنَى الثاني: المُتعبَّد به.
أمَّا التَّعبُّد فمَعناه: التَّذلُّل لله تعالى محَبَّةً وتَعظيمًا، بالقِيام بأَوامِره واجتِناب نَواهِيه، فإذا رأَيْنا شَخْصًا يُصلِّي مثَلًا قلنا: هذا يَتَعبَّد. أي: يَتَذلَّل لله تعالى بفِعْل الصلاة، وتُطلَق على المُتعَبَّد به، أي: على نَفْس المَفعول.
وعرَّفها شيخُ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ على هذا المَعنَى بقوله:"العِبادة اسمٌ جامِع لكل ما يُحِبُّه الله تعالى ويَرضاه من الأقوال والأعمال الباطِنة والظاهِرة"(١).
وعلى هذا فالصلاةُ نَفسُها نُسمِّيها عِبادة، والصدَقة عِبادة، والصوم عِبادة، والحَجُّ عِبادة، وبِرُّ الوالِدَيْن عِبادة، وصِلة الأَرْحام عِبادة، والإحسان إلى الفُقَراء عِبادة، وهكذا.