فالكونية هي التي بمَعنَى المَشيئة، والشرعية هي التي بمَعنَى المَحبَّة؛ فإذا كانت (يُريد) بمَعنَى (يَشاء) فهي إرادة كونية، وإذا كانت (يُريد) بمَعنَى (يُحِبُّ) فهي إرادة شرعية.
إِذَنِ: الفَرْق بينهما:
أوَّلًا: أن الإرادة الكونية يَلزَم منها وقوع المُراد؛ لأنها كونية، ولا أحَدَ يُعقِب حُكْم الله تعالى، والإرادة الشرعية لا يَلزَم منها وقوع المُراد.
ثانيًا: أن الإرادة الشرعية لا تَكون إلَّا فيما يُحِبُّه الله تعالى، والإرادة الكونية شامِلة لما يُحِبُّه الله تعالى وما لا يُحِبُّه الله تعالى، ومثال ذلك: لو قال لك قائِل: هل الله تعالى يُريد المَعاصيَ؟ فإن قُلتَ:(نعَمْ) أَخطَأْت، وإن قُلتَ:(لا) أَخطَأْت؛ والصواب أن نَقول:(بالإرادة الكونية: نَعَمْ يُريدها، ولم تَقَعِ المَعاصي إلَّا بإرادته)، و (بالإرادة الشَّرْعية: لا)؛ لأن الله تعالى يَكرَه المَعاصيَ، وبهذا التَّفصيلِ تَزول إشكالاتٌ كثيرة في المعاصِي: هل هي مُرادة لله تعالى أو غير مُرادة؟ نَقول: هي مُرادةٌ بالإرادة الكونية، غيرُ مُرادة بالإرادة الشرعية.
فإن قال قائِل: كيف يُريدها الله تعالى وهو لا يُحِبُّها؟
قلنا: نعَمْ هي مُرادة لغيرها، بمَعنَى: مَحبوبة لغيرها، أي: لِما تُؤدِّي إليه من المَصالِح العظيمة.
إذن: ليسَتْ مُرادةً بالإرادة الشرعية، وإنما هي مُرادة بالإرادة الكَوْنية؛ فإذا أَورَدَ علينا مُورِد: كيف يُريدها الله عَزَّ وَجَلَّ وهو يَكرَهها؟
فالجَوابُ: أن نَقول: يُريدها وهو يَكرَهها؛ لكونها مُرادة لغَيْرها، فالله عَزَّ وَجَلَّ