وقوله تعالى:{وَيُخَوِّفُونَكَ} هذا خاصٌّ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ على أن لواحِدٍ أن يَقول: لماذا لا يَصِحُّ أن يَكون الخِطاب مُوجَّهًا لكل مَن يَصِحُّ خِطابه، أي: يُخوِّفونك أيُّها المُخاطَب، كما جرَت به العادة في كثيرٍ من النُّصوص؟
فالجَوابُ على هذا أن نَقول: إنه لا يَصِحُّ أن يَكون مُوجَّهًا لكل مُخاطَب؛ لأن كل مُخاطَب لا يَتَأتَّى عليه هذا الوصفُ، فليس كلُّ مُخاطَب خُوِّف بالذين من دون الله تعالى، وإنما الذي خوف من دون الله تعالى هو النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الذي خُوِّف بالذي من دون الله تعالى؛ لأنهم كانوا يَتَوعَّدونه بآلهتهم.
فهذا المِثالُ يَنطَبِق على ما ذكَرْناه من القاعِدة أنه إذا ورَد لفظٌ عامٌّ ثُم أُتِيَ بعده بحُكْمٍ يَختَصُّ ببعض أفراده فإن ذلك لا يَقتَضي التَّخصيص، بل يَبقَى العامُّ على عُمومه، ويَثبُت الحُكْم لهذا الفَردِ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَيُخَوِّفُونَكَ} الخِطاب له] أي: للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -[{بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أيِ: الأصنام، أي: تَقتُله أو تُخبِله] وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: ١٧٥].
فهم يُخوِّفون النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالذين مِن دون الله تعالى، وتَخصيص هذا بالأَصنام كما خصَّصه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ فيه نظَر، بل يُخوِّفونه بالذين من دونه من الأصنام وغير الأصنام حتى من ذَوِي السُّلْطان، فتقولون مثَلًا: يَفعَل بك فُلان، أو تَفعَل بك الجِنُّ، أو يُفعَل بك كذا أو كذا، فيَنبَغي أن نَحمِل {بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} على العُموم لا على خُصوص الأصنام؛ لأن التَّخويف أعَمُّ من ذلك.
والآن مثَلًا في وَقْتنا هذا لو قال قائِل لشَخْص: أنت إن نَهَيْت عن هذا المُنكَرِ سأَرفَع بك إلى فُلان. ممَّن يُخشَى شَرُّه، هل هذا مُخوَّف بالذين من دون الله تعالى؟