البَسْمَلَةُ آيَةٌ من كِتَابِ الله مُسْتَقِلَّة، لا تكون تَبعًا لما قَبْلها ولا مُقَدِّمَة لما بعدها؛ بمَعْنى أنَّها ليست من التي قبلها ولا مِنَ التي بعدها؛ لكنْ يُؤْتى بها في ابتداءِ السُّورَة علامَةً على ابْتِدائِها إلا في سورة (براءة) فإنَّ الله تعالى لم يُنْزِلْ فيها البَسْمَلَة.
يقول بعضُ العُلَماءِ رَحِمَهُ اللهُ: لأنَّها بعْضٌ من سورة (الأنفال).
ويقول آخرون: لأنَّها نَزَلَتْ بالسَّيْفِ والشِّدَّةِ على المُنافِقين والكُفَّارِ، وهذا لا يُناسِبُه البراءةُ بالبَسْمَلَة التي هي (بسم الله الرَّحْمَن الرَّحيم) فإنَ البَسْمَلَة بَرَكَةٌ ورَحْمةٌ لا تتناسَبُ مع الشِّدَّة والغِلْظة والقَتْل والقِتال، ولكن هذا ليس بصحيحٍ، بل أَقْرَبُ شَيْءٍ أنَّ الصَّحابَة - رضي الله عنهم - أُشْكِلَ عليهم: هل هي من (الأنفال) أو مُسْتَقِلَّة؟ فوضعوا فاصلًا ولم يضعوا البَسْمَلَة (١)، فلم يجزموا لا بهذا ولا بهذا، على أنَّنا نَعْلَمُ بأنَّ الله تعالى لم يُنْزِلْها؛ لأنَّ البَسْمَلَة لو نَزَلَت بين (الأنفال) و (براءة) لكان بقاؤها حتمِيًّا؛ لِقَوْلِه تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩] وعلى هذا فيكون اجتهادُ الصَّحابَةِ - رضي الله عنهم - مُوافِقًا تمَامًا لواقِعِ الحالِ.
(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٥٧)، وأبو داود: كتاب الصلاة، باب من جهر بها [أي البسملة]، رقم (٧٨٦)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (٣٠٨٦)، من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.