تَمْييزُه، ويكون أشَدَّ من الصَّبِيِّ؛ يعني: كونه عالَةً على غَيْره أَشَدُّ من كَوْنِ الصَّبِيِّ عالَةً على غَيْرِهِ؛ لأنَّ الصَّبِيَّ ليس عنده عَقْلٌ وتَمْييزٌ، غايَةُ ما هنالِكَ أنَّه يصيحُ، وإن أُعْطِيَ شيئًا لَعِبَ به وسَكَتَ، لكنَّ هذا الهَرِمَ عنده شَيْءٌ من التَّمْييزِ.
تَجِدُه يصيحُ على أهْلِه، ويَرْفَعُ صَوْتَه عليهم، ويقول: كيف تَنْسَوْن حاجتي، حينما كُنْتُ شابًّا كنت أعْمَلُ وأُنْفِقُ عليكم، وأُحْضِرُ لكم الطَّعام والشَّراب، واليومَ تَنْسَوْن، فهو يُفْزِعُهُم أكْثَرَ، ثم هو أيضًا ثَقيلٌ، أمَّا الصَّبِيُّ فيَسْتَطِيع الواحِدُ أن يَحْمِلَه على يَدِه ويَمْشي به يمينًا ويَسارًا؛ حتى يَسْكُت، لكنَّ هذا الهَرِمَ هو الإِشْكالُ؛ لذلك إذا تذَكَّرَ الإِنْسَانُ أنَّه إمَّا أن يموتَ أو أن يَصِلَ إلى هذه الحالِ، فمهما كان عَيْشُه فسوف يَتَنَغَّصُ؛ ولهذا نقول: هذه الحياةُ دُنْيا، وهي مَأْخوذَةٌ من دُنُوِّ الزَّمَنِ ودُنُوِّ المَرْتَبَةِ والقَدْر.
قَوْله:[عن الإيمانِ بذلك]؛ أي: بِوَعْدِ الله، وما أَكْثَرَ الذين غَفَلوا عن وَعْدِ الله! وما أكْثَرَ الذين اعْتَمَدوا على الأَسْبابِ الظَّاهِرَة فَنَسُوا الأَسبَاب التي وراءها!
فكَثيرٌ من النَّاسِ يقول في قَوْلِه تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: ٤٠] كيفَ يَنْصُرُ الله المُسْلِمينَ وهم على هذه القِلَّة على أعدائِهِم الكُفَّارِ وهم بهذه الكَثْرَة وبهذه القُوَّة، كيف يكون هذا؟ !
فيعْتَمِدُ على الحياة الدُّنْيا وعلى الأَسْبابِ المادِّيَّة دون ما وراءها، والواجِبُ علينا أن نُؤْمِنَ بِوَعْدِ الله، فالله تعالى وَعَدَ أن يَنْصُرَ من يَنْصُرُه كما قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[النُّور: ٥٥].