إذن: نقول: (ولؤلؤٍ) فيها قراءتان سَبْعِيَّتانِ؛ إحداهما بالنَّصْبِ {وَلُؤْلُؤًا} وعلى هذا تكون معطوفةً على مَحَلِّ {أَسَاوِرَ} يعني يُحَلَّوْن فيها أساوِرَ ولؤلؤًا؛ أساوِرَ من ذَهَبٍ، ويُحَلَّونَ لؤلؤًا أيضًا؛ وأمَّا بالجَرِّ (ولؤلؤٍ) فهي معطوفة على {مِنْ ذَهَبٍ} يعني يُحَلَّوْنَ فيها أساور من نَوْعَيْنِ: من ذهبٍ ولُؤْلُؤٍ.
أَضِفْ إليها {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ}[الإِنْسَان: ٢١] تكون أساوِرُهم من ثلاثة أَنْواعٍ: من الذَّهَبِ، واللُّؤلؤ، ومنَ الفِضَّة.
ولا نَشُكُّ أنَّ السوار من الذَّهَب مُجَمِّلٌ وفيه جمالٌ بذاته، وكذلك السِّوارُ من الفِضَّةِ، وكذلك السِّوارُ من اللُّؤْلؤ، فكلُّ واحدٍ منها على حِدَةٍ فيه جَمالٌ وتَجْميل، فإذا اجْتَمَعَتِ الثَّلاثَة وصُفَّ بَعْضُها إلى بعض تولَّد من ذلك تَجْميلٌ أَكْبَر.
ولا أَحَد يتصَوَّرُ كيفَ تُجْمَعُ هذه الثَّلاثَة؛ هل يكونُ اللُّؤلؤُ بين الذَّهَب والفِضَّة، أو الذَّهَب بين اللُّؤلؤ، أو الذَّهبُ بين اللُّؤلؤ والفِضَّة، أو اللُّؤْلُؤ بينهما؟ ! .
المُهِمُّ: أنَّ تَرْتيبَها هذا لا أَحَدَ يَتَصَوَّرُه الآن، لكن الذي نُؤْمِنُ به أنَّ هذه الثَّلاثَة تُجْمَعُ، أمَّا كيف تُجْمَعُ، فالله أعلم به، لكننا أيضًا نَعْلَمُ بأنَّ جَمْعَها - أي الثَّلاثَة - له زيادةٌ في التَّجْميلِ.
واعْلَمْ أنَّ الذَّهَب الذي يُذْكَر في نعيم الجَنَّة والفِضَّة واللُّؤْلُؤ ليست كالذَّهَبِ الذي نشاهده الآن أو الفِضَّة أو اللُّؤْلُؤ، بل هو ذَهَبٌ أَعْظَمُ، ذَهَبٌ يليقُ بِنَعيمِ الجَنَّة؛ كما أنَّ النَّخْل والرُّمَّان والفاكِهَة والعَسَل واللَّبَن والخَمْر، وما أشبه ذلك، ليس كالذي يُوجَدُ في الدُّنْيا؛ لأنَّ النَّعِيمَ يناسبُ الدار، فإذا كانَتِ الدَّارُ الدُّنْيا لا تُشابِهُ الدَّارَ الآخِرَة؛ فالنَّعِيمُ الذي في الآخِرَة لا يُساويهِ النَّعِيم الذي في الدُّنْيا، هذا من حيثُ المَعْقُول.