للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقدم هو الآخر المستند إليه على الخبر الفعلي - أيضاً - في قوله: (ونحن نفيناك الأمور) ليفيد بذلك أنهم هم الذين كفوهم هذه الأمور، لا أحد غيرهم، يريد أن يقول: أنكم عاجزون عن كفاية أموركم بأنفسكم، فكيف تعينونا على أمر الخلافة؟ !

وهذا الذي أسلفنا، من أن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي تارة يفيد تقوي الحكم، وتارة أخرى يفيد تخصيص الفعل بالمسند إليه، إنما هو خاص بالجملة التي لم يتقدم فيها على المسند إليه نفي.

أما إذا تقدم على المسند إليه نفي فإن عبد القاهر وجمهور البلاغيين يرون أن التقديم في هذه الحالة يفيد التخصيص قطعاً.

فإذا قلت: (ما أنا قلت هذا) كنت قد نفيت عنك قولاً ثبت أنه مقول أي تنفي أن تكون أنت القائل له، وإن كان مقولاً لغيرك.

وإذا قلت (ما أنا ضربت زيداً) كنت قد نفيت عنك ضرباً قد حدث فعلاً، أي تنفي أن تكون أنت الضارب، وإن كان الضرب قد حدث من غيرك.

ولهذا لا يصح أن تقول: (ما أنا قلت هذا ولا أحد غيري) لأن قولك: (ما أنا قلت) يفيد وقوع القول من غيرك، وقولك (ولا أحد غيري) ينفيه عن غيرك، وهذا تناقض.

كما أنه لا يصح أن تقول (ما أنا ضربت زيداً ولا ضربه أحد غيري)، لأن قولك (ما أنا ضربت زيداً) يفيد أن الضرب قد وقع من غيرك فإذا قلت (ولا ضربه أحد غيري) كان هذا تناقضاً وذلك واضح.

وإليك من فصيح الشعر ما يوضح لك هذا النمط من القول:

لما استبطأ سيف الدولة مدح أبي الطيب المتنبي، تنكر له فقال (١):


(١) ديوان أبي الطيب، ج ٢، ص ٩٤.

<<  <   >  >>