للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو حيان: أي" ستروه وجحدوه، وهذا أبلغ في ذمهم، إذ يكون الشيء المعورف لهم، المستقر في قلوبهم وقلوب من أعلموهم به كيانه ونعته يعمدون إلى ستره وجحده، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} " (١).

قال السعدي: " فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا، كفروا به، بغيا وحسدا، أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده" (٢).

قال المراغي: " وسبب هذا أنهم حسدوا العرب على أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم من بينهم فحملهم ذلك على الكفر به جحودا وعنادا" (٣).

ويحتمل {ما}، في قوله تعالى: {مَّا عَرَفُوا} [البقرة: ٨٩]، ثلاثة أوجه (٤):

الأول: أنه الكتاب، وهو الظاهر.، لأنه أتى بلفظ {ما}.

والثاني: ويحتمل أنه يراد به النبي صلى الله عليه وسلّم، لأن {ما}، قد يعبر بها عن صفات من يعقل.

والثالث: ويجوز أن يكون المعنى: ما عرفوه من الحق، فيندرج فيه معرفة نبوّته وشريعته وكتابه، وما تضمنه. قاله أبو حيان (٥).

قوله تعالى: {فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين} [البقرة: ٨٩]، : " أي لعنة الله على اليهود الذين كفروا بخاتم المرسلين" (٦).

قال الطبري: أي: " فخزي الله وإبعاده على الجاحدين ما قد عرفوا من الحق عليهم لله ولأنبيائه " (٧).

قال المراغي: " فسجّل الله عليهم الطرد والإبعاد من رحمته، لجحودهم بالحق بعد أن تبين لهم" (٨).

قال الراغب: " (اللعن): هو إفضاء على وجه الإهانة، ومن قال: هو العذاب، فمن حيث أنه لا تنفك لعنة الله عن العذاب" (٩).

قال أبو حيان: " لما كان الكتاب جائياً من عند الله إليهم، فكذبوه وستروا ما سبق لهم عرفانه، فكان ذلك استهانة بالمرسل والمرسل به. قابلهم الله بالاستهانة والطرد، وأضاف اللعنة إلى الله تعالى على سبيل المبالغة، لأن من لعنه الله تعالى هو الملعون حقيقة. {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَالِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ}؟ {وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَه نَصِيرًا}. ثم إنه لم يكتف باللعنة حتى جعلها مستعلية عليهم، كأنه شيء جاءهم من أعلاهم، فجللهم بها، ثم نبه على علة اللعنة وسببها، وهي الكفر، كما قال قبل: {بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}، وأقام الظاهر مقام المضمر لهذا المعنى، فتكون الألف واللام للعهد، أو تكون للعموم، فيكون هؤلاء فرداً من أفراد العموم" (١٠).

وفي سبب كفرهم أقوال (١١):

أحدها: أنهم كانوا يظنون أن المبعوث يكون من بني إسرائيل لكثرة من جاء من الأنبياء من بني إسرائيل وكانوا يرغبون الناس في دينه ويدعونهم إليه، فلما بعث الله تعالى محمدا من العرب من نسل إسماعيل صلوات الله عليه، عظم ذلك عليهم فأظهروا التكذيب وخالفوا طريقهم الأول.

وثانيها: اعترافهم بنبوته كان يوجب عليهم زوال رياساتهم وأموالهم فأبوا وأصروا على الإنكار.

وثالثها: لعلهم ظنوا أنه مبعوث إلى العرب خاصة فلا جرم كفروا به.


(١) البحر المحيط: ١/ ٢٦٠.
(٢) تفسير السعدي: ٥٨.
(٣) تفسير المراغي: ١/ ١٦٨.
(٤) انظر: البحر المحيط: ١/ ٢٦٠.
(٥) انظر: البحر المحيط: ١/ ٢٦٠.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ٦٨.
(٧) تفسير الطبري: ٢/ ٣٣٧.
(٨) تفسير المراغي: ١/ ١٦٨.
(٩) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٢٥٨.
(١٠) البحر المحيط: ١/ ٢٦٠.
(١١) انظر: مفاتيح الغيب: ١/ ٥٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>