للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السدي: " {وإن تغفر لهم}، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام، {فإنك أنت العزيز الحكيم}، وهذا قول عيسى في الدنيا" (١).

قال ابن كثير: " وقوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله، عز وجل، فإنه الفعال لما يشاء، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله، وعلى رسوله، وجعلوا لله ندًا وصاحبة وولدًا، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وهذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها" (٢).

ذكر السمعاني والبغوي في الآية وجوه (٣):

أحدها: فإن قال قائل: كيف طلب المغفرة لهم، وهم كفار؟

قيل: إن معنى قوله: {وإن تغفر لهم}، يعني: بعد الإيمان، وهذا إنما يستقيم على قول السدي؛ لأن الإيمان لا ينفع في القيامة، والصحيح آخر القولين، قال بعضهم: هذا في فريقين منهم فقوله: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} يعني: من كفر منهم {وإن تغفر لهم} يعني: من آمن منهم. وقال أهل المعاني من أرباب النحو: ليس هذا على وجه طلب المغفرة، وإنما هذا على تسليم الأمر إليه، وتفويضه إلى مراده؛ ألا تراه يقول: " فإنك أنت العزيز الحكيم " ولو كان على وجه طلب المغفرة لقال: " فإنك أنت الغفور الرحيم ".

وأما السؤال الثاني: وكيف قال: {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}، وهذا لا يليق بسؤال المغفرة؟


(١) أخرجه الطبري (١٠٣٧): ص ١١/ ٢٤١.
(٢) تفسير ابن كثير: ٣/ ٢٣٤.
(٣) انظر: تفسير السمعاني: ٢/ ٨٣، وتفسير البغوي: ٣/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>