للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: " والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر، والله أعلم: أن ذلك كائن يوم القيامة، ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة" (١).

ورجّح قال الإمام الطبري قول السدي، واحتج على ذلك بمعنيين (٢):

إحداهما: أن {إذْ} إنما تصاحب في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها الماضيَ من الفعل، وإن كانت قد تدخلها أحيانًا في موضع الخبر عما يحدث، إذا عرف السامعون معناها. وذلك غير فاشٍ، ولا فصيح في كلامهم، وتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل، أولى من توجيهها إلى الأجهل الأنكر.

والثاني: أن عيسى لم يشك هو ولا أحد من الأنبياء، أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه، فيجوز أن يُتَوهم على عيسى أن يقول في الآخرة مجيبًا لربه تعالى ذكره: إن تعذّب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.

قال ابن كثير: " وهذان الدليلان فيهما نظر؛ لأن كثيرًا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي، ليدل على الوقوع والثبوت" (٣).

قال السمعاني: " قال قائل: هم لم يتخذوا أمه إليها؛ فما معنى قوله: {اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}؟ قيل: إنه - جل وعز - لما أراد ذكر عيسى مع أمه، قال: إلهين، وهذا كما يقال عند ذكر أبي بكر وعمر معا: عمران، وقالوا: هذا سنة عمرين، ويقال للشمس والقمر: قمران، قال الفرزدق (٤):

[أخَذْنا بآفاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمُ] ... لنَا قَمَرَاهَا والنُّجُومُ الطَّوَالِعُ

يعني: الشمس والقمر، وقيل: إن عيسى كان بعضا لمريم، فلما اتخذوه إلها؛ فكأنهم اتخذوا أمه إلها؛ فقال: {إلهين من دون الله} " (٥).


(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٣٢.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ١١/ ٢٣٦.
(٣) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٣٢.
(٤) ديوانه طبعة الصاوي ٥١٩.
(٥) تفسير السمعاني: ٢/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>