للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلف أهل التأويل في معنى هذا السؤال وليس باستفهام وإن خرج مخرج الاستفهام على ثلاثة اقوال (١):

أحدها: أنه تعالى سأله عن ذلك توبيخاً لمن ادعى ذلك عليه، ليكون إنكاره بعد السؤال أبلغ فى التكذيب وأشد فى التوبيخ والتقريع.

والثاني: أنه قصد بهذا السؤال تعريفه أن قومه وبدّلوا دينهم بعده، وادعوا عليه ما لم يقله.

والثالث: تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيُه، كما يقول القائل لآخر: أفعلت كذا وكذا؟ مما يعلم المقولُ له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له: أفعلته، على وجه النهي عن فعله، والتهديد له فيه. أفاده الطبري (٢).

فإن قيل: "فالنصارى لم تتخذ مريم إلهاً، فكيف قال تعالى فيهم ذلك؟

قيل: لما كان من قولهم أنها لم تلد بشراً وإنما ولدت إِلَهاً لزمهم أن يقولوا إنها لأجل البعضي بمثابة من ولدته، فصاروا حين لزمهم ذلك كالقائلين له" (٣).

وفي زمان هذا السؤال قولان:

أحدهما: أن الله تعالى قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا، قاله السدي (٤).

والثاني: أن الله تعالى يقول له ذلك يوم القيامة، قاله ابن جريج (٥)، وقتادة (٦)، وميسرة (٧).

قال الماوردي: "والثاني أصح القولين" (٨).

قال السمعاني: " والصحيح أنه يكون في القيامة، والقيامة وإن لم تكن بعد، ولكنها في علم الله، فلما كانت كائنة لا محالة فهي كالكائنة؛ فصح قوله: {وإذ قال الله} " (٩).


(١) انظر: تفسير الطبري: ١١/ ٢٣٦ - ٢٣٧، والنكت والعيون: ٢/ ٨٧.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ١١/ ٢٣٧.
(٣) النكت والعيون: ٢/ ٨٧.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٣٠٢٨): ص ١١/ ٢٣٤.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١٣٠٢٩): ص ١١/ ٢٣٤.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١٣٠٣١): ص ١١/ ٢٣٤.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٣٠٣٠): ص ١١/ ٢٣٤.
(٨) النكت والعيون: ٢/ ٨٧.
(٩) تفسير السمعاني: ٢/ ٨٠. ذكر السمعاني: انه قد يأتي "إذ" بمعنى "إذا"، واستشهد بقول الشاعر:
لم يجزه به الإله إذ جزا ... جنات عدن في السموات العلا

يعني: إذا جزى.
وقال الماوردي معلقا على البيت السابق: " فأقام الماضي مقام المستقبل وهذا جائز في اللغة كما قال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} [الأعراف: ٤٤] " [انظر: النكت والعيون: ٢/ ٨٧، وتفسير السمعاني: ٢/ ٨٢، والبيت بلا نسبة عندهم، ولم أتعرف على قائل البيت فيما عندي من المصادر].
ومنه قول أبي النجم:
ثم جزاء الله عنا إذ جزى .... جنات عدن في العلالي العلي
يعني: إذا جزى. انظر: ديوانه: ٢١٠.
ومنه قول الأسود بن جعفر الأزدي:
فالآن إذ هازلتهن فإنما ... يقلن ألا لم يذهب الشيخ مذهبا
يعني: إذا هازلتهن. انظر: [تفسير الطبري: ٩/ ١٣٥، وتفسير القرطبي: ٧/ ٣٠١، تحقيق التركي، وذكره أبوبكر الأنباري في الأضداد: ١١٩ دون نسبة].

<<  <  ج: ص:  >  >>