للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلالة: " مأخوذة من الإكليل الذي يحيط بالرأس من جوانبه؛ ولهذا فسرها أكثر العلماء: بمن يموت وليس له ولد ولا والد، ومن الناس من يقول: الكلالة من لا ولد له، كما دلت عليه هذه الآية: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ}، أي: مات، {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} " (١).

وقد أُشْكِل حُكْم الكلالة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: "أيها الناس، ثلاثٌ ودِدت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارِقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهدًا يُنتهى إليه: الجدّ، والكلالة، وأبواب الربا" (٢).

عن معدان بن أبي طلحة: "أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة فقال: إنيّ والله ما أدع بعدي شيئًا هو أهمّ إليّ من أمر الكلالة، وقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها، حتى طعن في نحري وقال: «تكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء»، وإن أعِش أقض فيها بقضية لا يختلف فيها أحدٌ قرأ القرآن" (٣).

وعن سعيد بن المسيب: "أن عمر بن الخطاب كتب في الجدّ والكلالة كتابًا، فمكث يستخير الله فيه يقول: اللهم إن علمت فيه خيرًا فأمضه، حتى إذا طُعِن، دعا بكتاب فَمُحي، فلم يدر أحدٌ ما كتب فيه، فقال: إني كنت كتبت في الجدّ والكلالة كتابًا، وكنت أستخير الله فيه، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه " (٤).

وعن طارق بن شهاب قال: "أخذ عمر كتِفًا وجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لأقضين في الكلالة قضاءً تحدَّثُ به النساء في خدورهن! فخرجت حينئذ حيَّة من البيت، فتفرَّقوا، فقال: لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمَّه" (٥).

قوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: ١٧٦]، أي: " إن مات امرؤ ليس له ولد ولا والد، وله أخت لأبيه وأمه، أو لأبيه فقط" (٦).

قال الطبري: أي: " إن إنسان من الناس مات {ليس له ولد}، ذكر ولا أنثى، {وله أخت}، يعني: وللميت أخت لأبيه وأمه، أو لأبيه " (٧).

عن السدي: قوله: " {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ}، يقول: مات" (٨). وروي عن سعيد بن جبير مثل ذلك (٩).

عن سعيد بن جبير , في قول الله تعالى: " {ليس له ولد وله أخت}: من أبيه وأمه , أو من أبيه" (١٠).

قال ابن كثير: " {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ}، أي: مات، قال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] كل شيء يفنى ولا يبقى إلا الله، عز وجل، كما قال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ} [الرحمن: ٢٦، ٢٧] " (١١).

وقوله: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} "تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد، بل يكفي في وجود الكلالة انتفاء الولد" (١٢).

قوله تعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦]، أي: "فلها نصف تركته" (١٣).

قال سعيد بن جبير: " من الميراث، والبقية للعصبة" (١٤).

قوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦]، أي: " ويرث أخوها شقيقًا كان أو لأب جميع مالها إذا ماتت وليس لها ولد ولا والد" (١٥).


(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٤٨٢.
(٢) أخرجه الطبري (١٠٨٨٣): ص ٩/ ٤٣٩، وابن المنذر (١٤٤٠): ص ٢/، ٥٩١ ورواه البخاري في صحيحه برقم (٥٥٨٨) ومسلم في صحيحه برقم (٣٠٣٢)، والبيهقي في السنن ٦: ٢٤٥/ ٨: ٢٨٩، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٤٩، وزاد نسبته لعبد الرزاق.
(٣) أخرجه الطبري (١٠٨٨٦): ص ٩/ ٤٤١.
(٤) أخرجه الطبري (١٠٨٧٨): ص ٩/ ٤٣٧.
(٥) أخرجه الطبري (١٠٨٨٢): ص ٩/ ٤٣٩.
(٦) التفسير الميسر: ١٠٦.
(٧) تفسير الطبري: ٩/ ٤٣٠.
(٨) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٣٠): ص ٤/ ١١٢٦.
(٩) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٦٣٣٠): ص ٤/ ١١٢٦.
(١٠) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٣١): ص ٤/ ١١٢٦.
(١١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٤٨٣.
(١٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٤٨٣.
(١٣) التفسير الميسر: ١٠٦.
(١٤) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٣٢): ص ٤/ ١١٢٦.
(١٥) التفسير الميسر: ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>