للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بك. فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون: (١).

٨ - أن كل أحد محتاج لمغفرة الذنوب، لقوله: {فاغفر لنا ذنوبنا}، فلا تغرنّك كثرة الطاعات، فالإنسان كلما كثرت طاعاته ينبغي أن يكون أخوف على نفسه من أن ترد هذه الطاعات ويذهب عمله سدى.

٩ - التفريق بين المعاصي، بعضها ذنوب، وبعضها سيئات، وهو كقولنا: إنها تنقسم إلى بائر وصغائر، والكبائر والصغائر تختلف في ذاتها وتختلف فيما بينها، فالكبائر منها كبرى، ومنها صغرى، والصغائر منها ما يقرب من الكبائر، ومنها ما هو دون ذلك.

١٠ - جواز سؤال الموت على طريق أهل الخير، لقولهم: {وتوفنا مع الأبرار}، ويجدر القول أن هذا ليس من باب الدعاء بالموت العاجل، وإنما من باب الدعاء بالموت على صفة مطلوبة وهي أن يموت على ما مات عليه الابرار، ومثله قول مريم ٠ عليها السلام-: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: ٢٣]، والمعنى: يا ليتني مت قبل المصاب، وكذلك قول يوسف-عليه السلام-: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: ١٠١].

١١ - الثناء على أهل البر والإحسان، لقوله: {وتوفّنا مع الأبرار}.

القرآن

{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤)} [آل عمران: ١٩٤]

التفسير:

يا ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتمكين وتوفيق وهداية، ولا تفضحنا بذنوبنا يوم القيامة، فإنك كريم لا تُخْلف وعدًا وَعَدْتَ به عبادك.

قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} [آل عمران: ١٩٤]، أي: " يا ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتمكين وتوفيق وهداية" (٢).

قال مقاتل: " يقول أعطنا من الجنة ما وعدتنا على ألسنة رسلك" (٣).

قال الكلبي عن ابن عباس: " يقولون على لسان رسلك" (٤).

قال الواحدي: والمعنى: أن المؤمنين يدعون الله تعالى بأن ينجز لهم ما وعدهم من الثواب على لسان الرسل" (٥)، ومعنى الدعاء -ههنا- مع العلم أنه منجز وعده لا محالة-: التعبد؛ لما في ذلك من الخضوع لله،


(١) أَخْرَجَهُ أحمد (٥٩٧٣): ص ٢/ ١١٦، والبُخَارِي (٢٢٧٢): ص ٣/ ١١٩، ومسلم (٧٠٥١): ص ٨/ ٩١، وأبو داود: (٣٣٨٧) ..
(٢) التفسير الميسر: ٧٥.
(٣) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٢٢.
(٤) الوجيز للواحدي: ١/ ٤٣٥. ولم أقف على مصدر قوله.
(٥) الوجيز: ١/ ٤٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>