للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والراجح إن سبب نزول هذه الآية الكريمة ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه؛ وذلك لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن. والله أعلم.

قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران: ١٨٨]، أي: " لا تحسبن، يا محمد، الذين يفرحون بما أتوا من إخفاء أمرك عن الناس" (١).

قال الواحدي: " هم اليهود فرحوا بإضلال النَّاس وبنسبة النَّاس إيَّاهم إلى العلم وليسوا كذلك" (٢).

ولأهل العلم في الذين عناهم الله تعالى في قوله: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران: ١٨٨]، وجهان:

أحدهما: أنهم أهل الكتاب فرحوا بالاجتماع على تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخفاء أمره، وأحبوا أن يحمدوا بما ليس فيهم من أنهم أهل نسك وعلم، وهذا قول ابن عباس (٣)، وعكرمة (٤)، والضحاك (٥)، والسدي (٦)، وسعيد بن جبير (٧)، ومجاهد (٨)، وقتادة (٩).

والثاني: أنهم أهل النفاق فرحوا بقعودهم عن القتال وأحبوا أن يحمدوا بما ليس فيهم من الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم-، وهذا قول أبي سعيد الخدري (١٠)، وابن زيد (١١).

وقرأ حميد بن كثير وأبو جعفر وشيبة ونافع وابن عامر وأبو عمرو: {يحسبن} بالياء، ومعناه: ولا يحسبن الفارحون منجيا لهم من العذاب.

وقرأ غيرهم بالتاء {تَحْسَبَنَّ}، معناه: ولا تحسبن يا محمد الفارحين بمفازة من العذاب، وخبره في الباء.

وقرأ الضحاك وعيسى: {لا تحسبن}، بالتاء وضم الباء، أراد محمدا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه-رضي الله عنهم-.

وقرأ محمد وابن كثير وأبو عمرو ويحيى بن يعمر: بالياء وضم الباء خبرا عن الفارحين، أي فلا تحسبن أنفسهم (١٢).

وقرأها إبراهيم: {بما أوتوا}، ممدودا، أي: أعطوا، وقرأ سعيد بن جبير: {أوتوا}، أي: أعطوا (١٣).

قوله تعالى: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: ١٨٨]، " أي: ويحبون أن يحمدهم الناس على تمسكهم بالحق وهم على ضلال" (١٤).

قال الواحدي: أي: " وأَحبُّوا أن يحمدوا بالتَّمسُّك بالحقِّ وقالوا: نحن أصحاب التَّوراة وأولو العلم القديم" (١٥).

قال الفراء: " قالوا: نحن أهل العلم الأول والصلاة الأولى، فيقولون ذلك ولا يقرون بمحمد صلى الله عليه وسلم" (١٦).


(١) تفسير الطبري: ٧/ ٤٧٢. [بتصرف].
(٢) الوجيز: ٢٤٧ ..
(٣) انظر: تفسير الطبري (٨٣٤٤): ص ٧/ ٤٦٨، وابن أبي حاتم (٤٦٣٩): ص ٣/ ٨٣٨.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٨٣٣٨): ص ٧/ ٤٦٦.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٨٣٣٩)، (٨٣٤٠): ص ٧/ ٤٦٧.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٨٣٤١)، (٨٣٤٢): ص ٧/ ٤٦٧ - ٤٦٨.
(٧) وابن أبي حاتم (٤٦٣٩): ص ٣/ ٨٣٨ ..
(٨) انظر: تفسير الطبري (٨٣٤٥): ص ٧/ ٤٦٩.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٨٣٥٠): ص ٧/ ٤٧١.
(١٠) انظر: صحيح البخاري (٤٥٦٧): ص ٦/ ٥٠.، وصحيح مسلم (٧١٣٤): ص ٨/ ١٢١، وتفسير ابن أبي حاتم (٤٦٤٦): ص ٣/ ٨٣٩
(١١) انظر: تفسير الطبري (٨٣٣٦): ص ٧/ ٤٦٥.
(١٢) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٢٩.
(١٣) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٢٩.
(١٤) صفوة التفاسير: ٢٢٨.
(١٥) الوجيز: ٢٤٧ ..
(١٦) معاني القرآن: ١/ ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>