للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن كعب: "لا يحل لعالم أن يسكت على علمه ولا لجاهل أن يسكت على جهله، قال الله: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب الآية، وقال: {فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (١) " (٢).

وقال ثابت بن البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة أنه قال: "لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء، ثم تلا هذه الآية وإذ أخذ الله" (٣).

وقال طاوس لوهب: "إنى أرى الله سوف يعذبك بهذه الكتب. وقال: والله لو كنت نبيا فكتمت العلم كما تكتمه لرأيت أن الله سيعذبك" (٤).

وعن الحسن بن عمارة قال: "أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألقيته على بابه فقلت: إن رأيت أن تحدثني؟ فقال: أما علمت أني قد تركت الحديث فقلت: إما أن تحدثني وإما أن أحدثك. فقال: حدثني. فقلت: حدثني الحكم ابن عيينة عن نجم الجزار قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: «ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا» قال: فحدثني بأربعين حديثا" (٥).

الفوائد:

١ - أن الله أخذ على أهل العلم العهد ببيان العلم، وعدم كتمانه.

٢ - التحذير من كتمان العلم، لأنه تعالى ذكر ذلك على سبيل الذم لا على سبيل المدح، قال-صلى الله عليه وسلم-: "من سئل عن علم علمه ثم كتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار" (٦).

٣ - الذم لأهل الكتاب اليهود والنصارى لنبذهم الميثاق والعهد وراء ظهورهم، إذ أخذوا بدله ثمنا قليلا، مما يدل على خسة هممهم بأخذهم الأدنى بدلا من الأعلى.

٤ - القدح في هذه الطريقة، لقوله: {فبئس ما يشترون}، ويتفرغ على هذه الفائدة تحذير أولئك الذين يحابون الرؤساء والأمراء والوجهاء والأعيان في ترك بيان العلم، لأن الله تعالى أثنى بالقدح واللوم والتوبيخ على من كانت هذه حاله.

القرآن

{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨)} [آل عمران: ١٨٨]

التفسير:

ولا تظنن الذين يفرحون بما أَتَوا من أفعال قبيحة كاليهود والمنافقين وغيرهم، ويحبون أن يثني عليهم الناس بما لم يفعلوا، فلا تظنهم ناجين من عذاب الله في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب موجع. وفي الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به، ولكل مفتخر بما لم يعمل، ليُثنيَ عليه الناس ويحمدوه.

في سبب نزول الآية أقوال:

أحدها: أخرج مسلم (٧)، وأحمد (٨)، والبخاري (٩)، والترمذي (١٠)، والنَّسَائِي (١١): "أن مروان بن الحكم قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس، فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى، وأحب أن يُحمد بما لم يفعل معذباً، لنعذبن أجمعون. فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أُنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن


(١) سورة النحل: ٤٣.
(٢) تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٢٨.
(٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٢٨.
(٤) الكشاف: ١/ ٤٥١.
(٥) تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٢٨، وانظر: مجمع البيان: ٢/ ٤٦٧.
(٦) رواه الترمذي (٢٦٤٩).
(٧) صحيح مسلم (٢٧٧٨): ص ٤/ ٢١٤٣.
(٨) المسند (٢٧١٢): ص ٣/ ٢١٢ - ٢١٣.
(٩) صحيح البخاري (٤٥٦٨): ص ٦/ ٥١.
(١٠) سنن الترمذي (٣٠١٤).
(١١) السنن الكبرى (١١٠٢٠) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>