للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، فهم أهل الهداية والاستقامة، ولا تجعلنا ممن سلك طريق المغضوب عليهم، الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به، وهم اليهود، ومن كان على شاكلتهم، والضالين، وهم الذين لم يهتدوا، فضلوا الطريق، وهم النصارى، ومن اتبع سنتهم.

قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧]، " أي طريق من تفضّلت عليهم بالجود والإنعام" (١).

قال ابن عباس: " يقول: طريق من أنعمت عليهم" (٢).

قال الصابوني: أي" من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وَحَسُنَ أولئك رفيقاً" (٣).

قال الثعلبي: " يعني: طريق الذين أنعمت عليهم بالتوفيق والرعاية، والتوحيد والهداية، وهم الأنبياء والمؤمنون الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩] " (٤).

قال الطبري: " وفي هذه الآية دليلٌ واضح على أنّ طاعة الله جَلّ ثناؤه لا ينالها المُطيعون إلا بإنعام الله بها عليهم، وتوفيقه إياهم لها. أوَ لا يسمعونه يقول: {صراط الذين أنعمت عليهم}، فأضاف كلّ ما كان منهم من اهتداء وطاعة وعبادة إلى أنه إنعام منه عليهم" (٥).

واختلف في المراد بالذين أنعم الله عليهم في الآية، على أقوال (٦):

أحدها: أنهم المؤمنون، قاله ابن عباس (٧)، ومجاهد (٨)، واختاره ابن كثير (٩).

والثاني: أنهم الأنبياء. قاله ربيع (١٠)، وقتادة (١١).

والثالث: أنهم الملائكة.

والرابع: أنهم المؤمنون بالكتب السالفة، قبل التحريف والنسخ، قاله ابن عباس (١٢)، وحكاه مكي (١٣).

يدل عليه قوله تعالى: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٤٠، ٤٧، ١٢٢].

والخامس: أن "المنعم عليهم محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر". حكاه مكي عن ابي العالية (١٤).

والسادس: أنهم المسلمون. وهو قول وكيع (١٥).

والسابع: أنهم النبي-صلى الله عليه وسلم-، ومَنْ معه مِنْ أصحابه، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد (١٦).

والثامن. أنهم أصحاب الرسول صلّى الله عليه ورضي عنهم وأهل بيته. قاله شهر بن حوشب (١٧).

والتاسع: أنه صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين". قاله ابن عباس في رواية الضحاك عنه (١٨)، وهو قول جمهور المفسرين (١٩).

قال ابن عطية: " وانتزعوا ذلك من قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً، وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً} [النساء: ٦٦ - ٦٩]، فالآية تقتضي أن هؤلاء على صراط مستقيم، وهو المطلوب في آية الحمد" (٢٠).

والقول الأول أشبه بالصواب، لكونه أعم وأشمل. والله أعلم.

قال البيضاوي: " الإنعام: إيصال النعمة، وهي في الأصل الحالة التي يستلذها الإنسان فأطلقت لما يستلذه من النعمة وهي اللين، ونعم الله وإن كانت لا تحصى كما قال: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها}، تنحصر في جنسين: دنيوي وأخروي.

والأول قسمان: موهبي وكسبي، والموهبي قسمان: روحاني كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوى كالفهم والفكر والنطق، وجسماني: كتخليق البدن والقوى الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء والكسبي تزكية النفس عن الرذائل وتحليتها بالأخلاق السنية والملكات الفاضلة، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحلى المستحسنة وحصول الجاه والمال.

والثاني: أن يغفر له ما فرط منه ويرضى عنه ويبوئه في أعلى عليين مع الملائكة المقربين أبد الآبدين.


(١) صفوة التفاسير: ١/ ٢٠.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٧): ص ١/ ٣١.
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ٢٠.
(٤) تفسير الثعلبي: ١/ ١٢١.
(٥) تفسير الطبري: ١/ ١٧٩.
(٦) اتظر: النكت والعيون: ٥٩ - ٦٠، وتفسير ابن كثير: ٢٢٣.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٩٠): ص ١/ ١٧٨، والحديث منقطع، لأن ابن جريج لم يسمع من ابن عباس.
(٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩): ص ١/ ٣١، وانظر تفسير ابن كثير: ٢٢٣.
(٩) تفسير ابن كثير: ٢٢٣.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١٨٩): ص ١/ ١٧٨.
(١١) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ٧٥.
(١٢) انظر: تفسير الثعلبي: ١/ ١٢٢، والمحرر الوجيز: ١/ ٧٥. ولفظه: " «المنعم عليهم أصحاب موسى قبل أن يبدلوا».
(١٣) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ٧٥، وتفسير البيضاوي: ١/ ٣٠، والنكت والعيون: ٥٩ - ٦٠، وتفسير ابن كثير: ٢٢٣.
(١٤) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ٧٥.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (١٩١): ص ١/ ١٧٨.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (١٩٢): ص ١/ ١٧٩.
(١٧) انظر: تفسير الثعلبي: ١/ ١٢٢.
(١٨) انظر: تفسير الطبري (١٨٨): ص ١/ ١٧٨، وابن أبي حاتم (٣٨): ص ١/ ٣١، والضحاك لم يسمع من ابن عباس فهو ضعيف.
(١٩) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ٧٥.
(٢٠) المحرر الوجيز: ١/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>