للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: "وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلق، وسبب إيلائه سؤال نسائه إياه من النفقة ما ليس عنده، كذا في صحيح مسلم (١). وقيل: لأن زينب ردت عليه هديته، فغضب صلى الله عليه وسلم فآلى منهن، ذكره ابن ماجة" (٢).

واختلف أهل التفسير في صفة اليمين التي يكون بها الرجل موليًا من امرأته، على أقوال (٣):

أحدها: أن اليمين التي يكون بها الرجل موليًا من امرأته: أن يحلف عليها في - حال غضب على وجه الضِّرار - أن لا يجامعها في فرجها، فأما إن حلف على غير وجه الإضرار، وعلى غير غضب، فليس هو موليًا منها. علي-كرم الله وجهه- (٤)، وابن عباس (٥)، والحسن (٦) وعطاء (٧)، وابن شهاب (٨).

قال الطبري: " وعلة من قال: " إنما الإيلاء في الغضب والضَرار ": أنّ الله تعالى ذكره إنما جعل الأجلَ الذي أجَّل في الإيلاء مخرجًا للمرأة من عَضْل الرجل وضراره إياها، فيما لها عليه من حُسن الصحبة والعِشرة بالمعروف. وإذا لم يكن الرجل لها عاضلا ولا مُضارًا بيمينه وحلفه على ترك جماعها، بل كان طالبًا بذلك رضاها، وقاضيًا بذلك حاجتها، لم يكن بيمينه تلك مُوليًا، لأنه لا معنى هنالك لَحِق المرأةَ به من قِبَل بعلها مساءةٌ وسوء عشرة، فيجعل الأجل - الذي جُعل للمولي - لها مخرجًا منه" (٩).

والثاني: سواءٌ إذا حلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها في فرجها، كان حلفه في غضب أو غير غضب، كلّ ذلك إيلاء. وهذا قول إبراهيم (١٠)، وابن سيرين (١١)، والشعبي (١٢).

قال الطبري: " وأما علة من قال: " الإيلاء في حال الغضب والرضا سواء"، عموم الآية، وأن الله تعالى ذكره لم يخصص من قوله: " للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر " بعضًا دون بعض، بل عمّ به كلَّ مُولٍ ومُقسِم. فكل مقسِم على امرأته أن لا يغشاها مدةً هي أكثر من الأجل الذي جَعل الله له تربُّصه، فمُولٍ من امرأته عند بعضهم. وعند بعضهم: هو مُولٍ، وإن كانت مدة يمينه الأجل الذي جُعل له تربُّصه" (١٣).

والثالث: أن كل يمين حلف بها الرجل في مَسَاءة امرأته، فهي إيلاء منه منها، على الجماع حلف أو غيره، في رضًا حلف أو سخط. قاله الشعبي (١٤)، وابن أبي ذئب العامري (١٥)، والقاسم، وسالم، وإبراهيم (١٦)، والحكم (١٧)، وسعيد بن المسيب (١٨).


(١) برقم (١٤٧٨)، من حديث جابر رضي الله عنه. وهو عند أحمد (١٤٥١٥).
(٢) تفسير القرطبي: ٣/ ١٠٣.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ٤/ ٤٥٦ وما بعدها.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٤٤٧٩): ص ٤/ ٤٥٧.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٤٤٨٦): ص ٤/ ٤٥٩.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٤٤٩٣): ص ٤/ ٤٦٠.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٤٤٩٤): ص ٤/ ٤٦١.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٤٤٩٥): ص ٤/ ٤٦١.
(٩) تفسير الطبري: ٤/ ٤٦٤.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٤٤٩٦): ص ٤/ ٤٦١.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٤٤٩٨): ص ٤/ ٤٦١ - ٤٦٢.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٤٥٠١): ص ٤/ ٤٦٢.
(١٣) تفسير الطبري: ٤/ ٤٦٤.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٤٥٠٣): ص ٤/ ٤٦٢.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٤٥٠٤): ص ٤/ ٤٦٣.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٤٥٠٥): ص ٤/ ٤٦٣.
(١٧) انظر: تفسير الطبري (٤٥٠٦): ص ٤/ ٤٦٣.
(١٨) انظر: تفسير الطبري (٤٥٠٨): ص ٤/ ٤٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>