للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطلق امرأته؛ ولو قال كفراً في حال فرح شديد لم يكفر، كما في حديث: «للَّهُ أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم ... » (١) الحديث؛ ولو أكره على كلمة الكفر فقالها وقلبه مطمئن بالإيمان لم يكفر؛ وأمثلتها كثيرة.

٢ - ومن فوائد الآية: أن المدار على ما في القلوب؛ لقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}.

٣ - ومنها: أن للقلوب كسباً، كما للجوارح؛ فأما ما حدَّث به الإنسان نفسه دون اطمئنان إليه فإنه لا يؤاخذ به؛ لأنه ليس بعمل؛ ولهذا جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» (٢).

٤ - ومنها: إثبات هذين الاسمين الكريمين؛ وهما «الغفور»، و «الحليم»؛ وما تضمناه من وصف، وحكم.

٥ - ومنها: الإشارة إلى أن من مغفرة الله وحلمه أن أسقط المؤاخذة باللغو في الأيمان.

٦ - ومنها: أن لا نيأس من رحمة الله؛ لأنه غفور؛ وأن لا نأمن مكر الله؛ لأنه حليم؛ فيكون العبد سائراً إلى الله بين الرجاء والخوف.

القرآن

{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦)} [البقرة: ٢٢٦]

التفسير:

للذين يحلفون بالله أن لا يجامعوا نساءهم، انتظار أربعة أشهر، فإن رجعوا قبل فوات الأشهر الأربعة، فإن الله غفور لما وقع منهم من الحلف بسبب رجوعهم، رحيم بهم.

في سبب نزول الآية: قال قتادة: "كان أهل الجاهلية [يعدون] الإيلاء طلاقا فحد لهم أربعة أشهر، فإن فاء فيها كفر يمينه وكانت امرأته، وإن مضت أربعة أشهر ولم يفئ بها فهي تطليقه" (٣). وأخرجه الطبري (٤)، وذكر الثعلبي (٥)، والواحدي (٦).

قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦]، أي: "للذين يحلفون على ترك وطء زوجاتهم" (٧).

قال الطبري: " للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم" (٨).

قال الماوردي: " وفي الكلام حذف، تقديره: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم لكنه إنما دل عليه ظاهر الكلام" (٩).

و(اللام) في قوله تعالى {لِلَّذِينَ} يحتمل أن تكون للإباحة؛ ويحتمل أن تكون للتوقيت؛ يعني: أنه يباح للمولين أن يتربصوا أربعة أشهر؛ أو أن لهم وقتاً محدداً بأربعة أشهر (١٠).

و{يُؤْلُونَ} أي: "يحلفون". قاله سعيد بن جبير (١١).


(١) أخرجه البخاري ص ٥٣١، كتاب الدعوات، باب ٤: التوبة، حديث رقم ٦٣٠٨، وأخرجه مسلم ص ١١٥٣، كتاب التوبة، باب ١: في الحض على التوبة ... ، حديث رقم ٦٩٥٣ [٢] ٢٦٧٥.
(٢) أخرجه البخاري في ٤٥٥، كتاب الطلاق، باب ١١: الطلاق في الإغلاق والكره ... ، حديث رقم ٥٢٦٩، وأخرجه مسلم ص ٦٩٩، كتاب الإيمان، باب ٥٨: تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر، حديث رقم ٣٣١ [٢٠١] ١٢٧.
(٣) العجاب: ١/ ٥٧٩،
(٤) انظر: تفسير الطبري (٤٥٩٨): ص ٤/ ٤٨٥. من طريق سعيد.
(٥) انظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ١٦٨. من طريق سعيد.
(٦) انظر: أسباب النزول: ٧٩. من طريق عطاء عن ابن عباس.
(٧) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٩٥.
(٨) تفسير الطبري: ٤/ ٤٥٦.
(٩) النكت والعيون: ١/ ٢٨٨.
(١٠) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٩٥.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٤٤٧٨) /ص ٤/ ٤٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>