للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشوكاني: أي " {سميع} لأقوال العباد، {عليم} بما يصدر منهم" (١).

قال الطبري: " {والله سميع}، لما يقوله الحالفُ منكم بالله إذا حلف فقال: والله لا أبر ولا أتقي ولا أصلح بين الناس، ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم، {عليم} بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك، الخير تريدون أم غيره؟ لأني علام الغيوب وما تضمره الصدور، لا تخفى عليّ خافية، ولا ينكتم عني أمر عَلَن فطهر، أو خَفي فبَطَن، وهذا من الله تعالى ذكره تهدُّد ووعيدٌ. يقول تعالى ذكره: واتقون أيها الناس أن تظهروا بألسنتكم من القول، أو بأبدانكم من الفعل، ما نهيتكم عنه - أو تضمروا في أنفسكم وتعزموا بقلوبكم من الإرادات والنيات بفعل ما زجرتكم عنه، فتستحقوا بذلك مني العقوبة التي قد عرَّفتكموها، فإنّي مطَّلع على جميع ما تعلنونه أو تُسرُّونه" (٢).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: نهي الإنسان عن جعل اليمين مانعة له من فعل البر، والتقوى، والإصلاح بين الناس؛ والنهي للتحريم إذا كانت مانعة له من واجب؛ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير» (٣).

٢ - ومنها: الحث على البر، والتقوى، والإصلاح بين الناس؛ وجهه: أنه إذا كان الله نهانا أن نجعل اليمين مانعاً من فعل البر فما بالك إذا لم يكن هناك يمين.

٣ - ومنها: فضيلة الإصلاح بين الناس؛ لقوله تعالى: {وتصلحوا بين الناس}؛ فنص عليه مع أنه من البر؛ والتنصيص على الشيء بعد التعميم يدل على العناية به، والاهتمام به؛ ولا ريب أن الإصلاح بين الناس من الأمور الهامة لما فيه من رأب الصدع، ولمّ الشعث، وجمع الشمل؛ وهذا خلاف من يفعلون ما يوجب القطيعة بين الناس، مثل النميمة - فهي توجب القطيعة بين الناس -؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام» (٤).

٤ - ومنها: إثبات اسمين من أسماء الله؛ وهما «السميع» و «العليم»؛ وما تضمناه من صفة، وما تضمناه من حكم، وأثر.

٥ - ومنها: تحذير الإنسان من المخالفة؛ وجهه: أنه إذا كان الله سميعاً عليماً فإياك أن تخالف ما أمرك به؛ فإنك إن خالفته بما يُسمَع سَمِعك؛ وبما يُعلَم عَلِمك؛ فاحذر الله عزّ وجلّ.

القرآن

{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)} [البقرة: ٢٢٥]

التفسير:

لا يعاقبكم الله بسبب أيمانكم التي تحلفونها بغير قصد، ولكن يعاقبكم بما قصدَتْه قلوبكم، والله غفور لمن تاب إليه، حليم بمن عصاه حيث لم يعاجله بالعقوبة.

قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]، أي: "لا يعاقبكم الله ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية" (٥).


(١) فتح القدير: ١/ ٣٣٠.
(٢) تفسير الطبري: ٤/ ٤٢٧.
(٣) أخرجه البخاري ص ٥٥٤، كتاب الإيمان والنذور، باب ١: قول الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله في إيمانكم)، حديث رقم ٦٦٢٢، وأخرجه مسلم ص ٩٦٧، كتاب الإيمان، باب ٣: ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها ... ، حديث رقم ٤٢٨١ [١٩] ١٦٢٥.
(٤) أخرجه مسلم ٦٩٦، كتاب الإيمان، باب ٤٥: بيان غلظ تحريم النميمة، حديث رقم ٢٩٠ [١٦٨] ١٠٥.
(٥) تفسير ابن كثير: ١/ ٦٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>