للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزمخشري: " وسمى المحلوف عليه يميناً لتلبسه باليمين، كما قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك" (١)، أى على شيء مما يحلف عليه" (٢).

وقد اختلف أهل التفسير في قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤]، على وجوه: (٣):

أحدها: ولا تجعلوه عِلَّة لأيمانكم، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس قال: (عليّ يمين بالله ألا أفعل ذلك) أو (قد حلفت بالله أن لا أفعله)، فيعتلّ في تركه فعل الخير والإصلاح بين الناس بالحلف بالله. وهذا قول طاوس (٤)، وابن عباس (٥)، وقتادة (٦)، وسعيد بن جبير (٧)، وعطاء (٨)، والضحاك (٩)، والسدي (١٠)، وإبرهيم (١١). وهذا قول جمهور أهل التفسير (١٢).

وهذا على أن معنى {عُرْضَةً} أي: علة يتعلل بها في بره، من عَرَض العودَ على الإناء إذا صيره حاجزاً له ومانعاً منه، والمعنى نهيهم عن أن يحلفوا بالله على أنهم لا يبرون ولا يتقون، ويقولون: لا نقدر أن نفعل ذلك لأجل حلفنا، ويحتمل أن تكون {عُرضَةً} بمعنى القوة من قولهم: جمل عرضة للسفر، أي: قوي عليه، والمعنى: لا تجعلوا اليمين باسمه تعالى قوة لأنفسكم في الامتناع عن البر.

الثاني: أن المعنى: ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير. قاله ابن عباس (١٣)، وإبراهيم (١٤)، ومجاهد (١٥)، والربيع (١٦)، وعائشة (١٧)، وابن جريج (١٨)، ومكحول (١٩).


(١) صحيح البخاري (٦٣٤٣): ص ٦/ ٢٤٧٢.
(٢) الكشاف: ١/ ٢٦٧.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ٤/ ٤١٩ وما بعدها. وتفسير القرطبي: ٣/ ٩٧.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٤٣٥١): ص ٤/ ٤٢٠.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٤٣٥٣): ص ٤/ ٤٢٠.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٤٣٥٤): ص ٤/ ٤٢٠.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٤٣٥٥): ص ٤/ ٤٢٠.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٤٣٦٦): ص ٤/ ٤٢٣.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٤٣٦٧): ص ٤/ ٤٢٣.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٤٣٥٨): ص ٤/ ٤٢٣. وذكر السدي في آخر كلامه: " وهذا قبل أن تنزل الكفَّارات". وقد اعترض الطبري على قول السدي: بأن الآية نزلت قبل أن تنزل الكفَّارات، ووصفه بأنه" قولٌ لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة، والخبر عما كان، لا تدرك صحته إلا بخبر صادق، وإلا كان دعوى لا يتعذر مِثلها وخلافها على أحد.
ثم قال: وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الأيمان في " سوره المائدة "، واكتفى بذكرها هناك عن إعادتها ههنا، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجبَ من الكفارات في الأيمان التي يحنث فيها الحال". [تفسير الطبري: ٤/ ٤٢٦].
(١١) انظر: تفسير الطبري (٤٣٥٩): ص ٤/ ٤٢٣.
(١٢) إن هذا التفسير للآية قول أكثر المفسرين؛ إذ قال به: الفراء والزجاج وابن قتيبة وابن الأنباري والطبري وآخرون. انظر: تفسير ابن أبي حاتم-القسم الثاني من سورة البقرة-: ٢/ ٧٠٠ - ٧٠٢، جامع البيان للطبري: ٤/ ٤١٩ - ٤٢٥، معاني القرآن للفراء: ١/ ١٤٤، معاني القرآن وإعرابه للزجاج: ١/ ٢٩٨ - ٢٩٩، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٨٥، معاني القرآن للنحاس: ١/ ١٨٧، البسيط للواحدي: ١٣٦١ أ، والوسيط له: ١/ ٣٣٠، بحر العلوم للسمرقندي: ١/ ٢٠٦، المحرر الوجيز لابن عطية: ٢/ ١٨٥، أحكام القرآن لابن العربي: ١/ ١٧٥، أحكام القرآن لإلكيا الهراس: ١/ ٢٠٧، الكشاف للزمخشري: ١/ ٣١٢، النكت والعيون للماوردي: ١/ ٢٨٥، زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٢٥٤، مفاتيح الغيب للرازي: ٦/ ٨١، معالم التنزيل للبغوي: ١/ ٢٦٢، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٣/ ٩٧، البحر المحيط لأبي حيان: ٢/ ١٧٦ - ١٧٧، تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ١/ ٣٣٠، وضح البرهان لبيان الحق النيسابوري: ١/ ٢٠٦، أنوار التنزيل للبيضاوي: ١/ ١٨، تفسير النسفي: ١/ ١١٢، فتح القدير للشوكاني: ١/ ٣٤٠، فتح البيان لصديق خان: ١/ ١١٢، التحرير والتنوير لابن عاشور: ٢/ ٣٧٦.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٤٣٦٠): ص ٤/ ٤٢٢.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٤٣٦٢): ص ٤/ ٤٢٢.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٤٣٦٥): ص ٤/ ٤٢٣.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٤٦٢): ص ٤/ ٤٢٣.
(١٧) انظر: تفسير الطبري (٤٦٢): ص ٤/ ٤٢٣.
(١٨) انظر: تفسير الطبري (٤٣٦٨): ص ٤/ ٤٢٣.
(١٩) انظر: تفسير الطبري (٤٣٧١): ص ٤/ ٤٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>