للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - ومنها: حصر المحرمات في هذه الأشياء الأربعة: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله؛ لقوله تعالى: {إنما}؛ لأنها أداة حصر؛ لكن هذا الحصر قد بُين أنه غير مقصود؛ لأن الله حرم في آية أخرى غير هذه الأشياء: حرم ما ذبح على النصب - وليس من هذه الأشياء -؛ وحرم النبي صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب من السباع (١)، وكل ذي مخلب من الطير (٢) - وليس داخلاً في هذه الأشياء -؛ وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية (٣) - وليس داخلاً في هذه الأشياء -؛ فيكون هذا الحصر غير مقصود بدلالة القرآن، والسنة.

٤ - ومن فوائد الآية: تحريم جميع الميتات؛ لقوله تعالى: {والميتة}؛ و «أل» هذه للعموم إلا أنه يستثنى من ذلك السمك، والجراد - يعني ميتة البحر، والجراد -؛ للأحاديث الواردة في ذلك؛ والمحرم هنا هو الأكل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الميتة: «إنما حرم أكلها» (٤)؛ ويؤيده أن الله سبحانه وتعالى قال هنا: {كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: ٥٧]، ثم قال تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة}؛ لأن السياق في الأكل؛ ويدخل في تحريم أكل الميتة جميع أجزائها.

٥ - ومن فوائد الآية: تحريم الدم المسفوح؛ لقوله تعالى: {والدم}.

٦ - ومنها: تحريم لحم الخنزير؛ لقوله تعالى: {ولحم الخنزير}؛ وهو شامل لشحمه، وجميع أجزائه؛ لأن اللحم المضاف للحيوان يشمل جميع أجزائه؛ لا يختص به جزء دون جزء؛ اللهم إلا إذا قُرن بغيره، مثل أن يقال: «اللحم، والكبد»، أو «اللحم، والأمعاء»، فيخرج منه ما خصص.

٧ - ومنها: تحريم ما ذكر اسم غير الله عليه؛ لقوله تعالى: {وما أهل به لغير الله}.

٨ - ومنها: تحريم ما ذبح لغير الله - ولو ذكر اسم الله عليه -، مثل أن يقول: «بسم الله والله أكبر؛ اللهم هذا للصنم الفلاني»؛ لأنه أهل به لغير الله.

٩ - ومنها: أن الشرك قد يؤثر الخبثَ في الأعيان - وإن كانت نجاسته معنوية -؛ هذه البهيمة التي أَهل لغير الله بها نجسة خبيثة محرمة؛ والتي ذكر اسم الله عليها طيبة حلال؛ تأمل خطر الشرك، وأنه يتعدى من المعاني إلى المحسوسات؛ وهو جدير بأن يكون كذلك؛ لهذا قال الله عز وجل: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: ٢٨] مع أن بدن المشرك ليس بنجس؛ لكن لقوة خبثه المعنوي، وفساد عقيدته وطويته صار مؤثراً حتى في الأمور المحسوسة.

١٠ - ومن فوائد الآية: فضيلة الإخلاص لله.

١١ - ومنها: أن الضرورة تبيح المحظور؛ لقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}؛ ولكن هذه الضرورة تبيح المحرم بشرطين:

الشرط الأول: صدق الضرورة بحيث لا يندفع الضرر إلا بتناول المحرم.

الشرط الثاني: زوال الضرورة به حيث يندفع الضرر.

فإن كان يمكن دفع الضرورة بغيره لم يكن حلالاً، كما لو كان عنده ميتة ومذكاة، فإن الميتة لا تحل حينئذ؛ لأن الضرورة تزول بأكل المذكاة؛ ولو كان عطشان، وعنده كأس من خمر لم يحل له شربها؛ لأن


(١) راجع البخاري ص ٤٧٦، كتاب الذبائح والصيد، باب ٢٩: أكل كل ذي ناب من السباع، حديث رقم ٥٥٣٠؛ ومسلماً ص ١٠٢٣، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب ٣: باب تحريم اكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، حديث رقم ٤٩٨٨ [١٢] ١٩٣٢.
(٢) راجع مسلماً ص ١٠٢٣، كتاب الصيد والذبائح ... ، باب ٣: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، حديث رقم ٤٩٩٦ [١٦] ١٩٣٤.
(٣) راجع البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب ٢٨: لحوم الحمر الإنسية، حديث رقم ٥٥٢١، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل لحمه من الحيوان، باب ٥: تحريم أكل لحم الإنسية، حديث رقم ٥٠٠٥.
(٤) أخرجه البخاري ص ٤٧٥، كتاب الذبائح والصيد، باب ٢٨: لحوم الحمر الإنسية، حديث رقم ٥٥٢٧؛ ومسلم ص ١٠٢٤، كتاب الصيد والذبائح ... ، باب ٥: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، حديث رقم ٥٠٠٧ [٢٣] ١٩٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>